لا يوجد في حوارات الهويات ما يسمى بالهوية الافريكانية او الهندية او الانجلوساكسونية ولكنه نوع من الهروب او تلطيف للحقيقة وهى الخوف من الاشارة الى الالوان. فالافريكانية يقصدون بها الزنجية السوداء. وهي بالتاكيد ليس هويات وانما اعراق. انتماء السودانيين متعدد لأكثر من اصل عرقي وهو مسألة قدرية مثل أن تولد ذكرا او انثي لا يجب الزج بها في صراع الهويات. وموضوع الهويات وصراعها نفسه شئ مستحدث ومنقول من فضاءات خارجية، ويقينى زج به لاغراض لا علاقة لها بواجباتنا الوطنية ومسئولياتنا التاريخية. نحن اتينا في هذا الزمان وانتمينا لهذا الجيل فقط ووعينا على واقع شكلته عوامل عديدة.
الهوية امر فلسفي لا يهم الا النخبة ولا يشغل السواد الاعظم من السودانيين الذين توازنت علاقاتهم الانسانية بالمعايشة على بقعة واحدة لالاف السنين. ولو تسالونى هو أمر انصرافي ومهلك ويكفي ما كلفنا في الوطن من صراعات ودماء حتى أصبح الان تجارة يفلح فيها من لا يفقهون في فلسفة الهوية الا القشور.
وجد السودانيون انفسهم في هذه البقعة من الارض واختلطت دماؤهم بتلقائية عربا وزنوج واحباش واقليات مهاجرة من أتراك وهنود واكراد واقباط ويمنيين وحضارمة وعرب وغيرهم من اعراق. وهكذا تختلط الدماء في كل العالم ولا يوجد بالكون صفاء عرقي خالص وليس لذلك قيمة وانما يستخدمه البعض لاغراض ذاتية ويجعلونه عاملا للصراع والاسترزاق.
الانسان يشكله المكان والتعايش مع بيئته فيصنع وجدانه المشترك برغم اختلاف الاعراق والالوان وتباين اللغات المحلية. الانسان ابن بيئته. وحتى اللغة المتحدثة ما هى الا وسيلة لا تفرض فرضا وانما يمكنها ان تسود أو تنقرض لاسباب موضوعية وبتلقائية حسب تلبيتها من عدمه لحاجة حقيقية في حياة الناس.
اما الدولة القطرية فهي نظام متحدث.. ولا تسطيع قوة أن تنزع الناس من عقائدها مهما كان جبروتها. فالمسلم سيبقي مسلما مؤمنا بعقيدته وقيمه وكذلك المسيحي وأهل الأديان والعقائد المختلفة المحلية الاخري وتغيير الدين من عدمه يبقي حرية شخصية. وكما تسود بعض اللغات لاسباب موضوعية كذلك تنتشر بعض الديانات اكثر في الظروف الطبيعية.
في رأى ان ادخال مسألة الهوية الان ما هو الا ترف يثير المشاكل ويفجر النزاعات. وبلا شك هو مظهر لتدخلات اجنبية خبيثة. وما يجب التركيز عليه ان يكون لنا وطن ودستور وقوانين تؤسس وتحمى الحقوق والواجبات، بناء على اتفاق المواطنين في تشكيلاتهم العديدة والمختلفة وبرضاهم. علينا ان نتفق ونتفاهم بصبر وجلد على نظام دولة يطلق الطاقات ويوجهها للبناء.
السودانوية ليست هوية بل هى واقع جغرافي وسكانى متعدد الدماء والعقائد والبيئات والمناخات. ولا اتفق مع ما يروج له من حديث لجون قرن أن السودانوية هى التى توحدنا. ابدا ما يوحدنا هو اتفاقنا بناء على حقائق الواقع الموجود عند شعبنا وليس على اى افتراضات من الخيال او لما عليه شعوب اخرى. ولو سؤلت عن أقرب تمثيل لهوية أى أمة أو بلد وذروة سنام الهوية واهم نتائجها لقلت وحدة الوجدان..
وللحجة على قول جون قرن. الان انفصل الجنوب وشكل دولته.. واعلنت اللغة الرسمية الانجليزية. هل بنت الانجليزية الوجدان الشعبي في جنوب السودان او ستشكله؟ لا أعتقد. ولذلك الآن يعودون مجددا للحديث بالفصحى العربية في النشرات الرئيسية ويلجؤون لعربي جوبا في الحوارات المختلفة وبالاسواق وفيما بين القبائل المختلفة.. اذن اللغة واحدة من مكونات الهوية وربما اهم مكوناتها.
السودانيون ليس عربا خالصين. لكنهم اللغة وحدت وجدانهم. كذلك السودانيون عمروا اللغة العربية بالاشعار الفريدة واضافوا لها، ولم يكونوا مستهلكين لما يرد من العرب فقط. ولعل هذا دليل يجعل اللغة العربية شيئا محايد تجاه صراع الهويات ويؤكد قول الرسول عليه الصلاة والسلام أن العربية لسان..