حرصتُ في السنوات الماضية على متابعة مجلة روح الإسلام بالإنجليزية “سبريت أوف إسلام”، خاصة ما يكتبه صاحبها مولانا وحيد الدين خان (توفي في أبريل 2021م). وهو رجل من الهند وقَفَ حياتَه على ترسيخ ثقافة السلام والدعوة إلى نبذ العنف والحث على التفكير الإيجابي.
من أقواله في كتاب عقيدة السلام: “إن أحد الأسباب الرئيسية للعنف هو الكراهية، والكراهية في الأساس نتيجة للتفكير السلبي…
إن التفكير الإيجابي والكراهية لا يتفقان، وبناءً على هذا، وحفاظًا على مجتمع مسالم، فمن الضروري ألا نتوقف عن تشجيع التفكير الإيجابي”.
ويقول في موضع آخر من الكتاب: “إن الراديكالية مغرية جدًا للمتطرفين، أو لأولئك الذين تقودهم عواطفهم، لكنها غير عملية لمن أراد تحقيق هدف إيجابي…”.
وليس مولانا وحيد الدين إلا أنموذجًا واحدًا للقيادات الفكرية والسياسية في بلده التي تؤمن بأن حجر الزاوية في بناء السلام هو تبادل الاحترام بين الجميع، والتزام روح المحبة والرحمة والتسامح.
وهذا شأن القادة الكبار والساسة الأقوياء في كل مكان. أما أولئك الساسة الذين ينقادون للعواطف المتطرّفة والشعارات العنيفة، ويجنحون للانتقام، فلا يمكن وصفهم بالقادة أو الزعماء، إنهم مجرد (ناشطين).
كثيرة هي الحوادث التي تبدأ صغيرة، ثم لا تلبث أن تتحول إلى مواجهة عنيفة، ذلك أنه لم يوجد في الوقت المناسب قادة عقلاء يفكرون ثم يتصرَّفون، بل كان هناك (ناشطون) يسبق فعلُهم تفكيرَهم. وأمثال هؤلاء هم الأكثرية، وهم موجودون في كل زمان ومكان… وشقيت البشرية بهم في كل العصور.
يتناول هذا المجال بتعمق الأستاذ الدكتور محمد وقيع الله أحمد في كتابه التأسيسي المهم بعنوان: إسهام الإسلام في تحقيق السلام العالمي، إذ يشير إلى أن الصراعات اجتاحت أكثر أيام التاريخ البشري وأكثر أيام الوقت الحاضر، ونهشت من حياة الناس ومتاعهم شيئًا غير قليل، ففي خلال الثلاثة آلاف وثلاثمائة وثمانٍ وخمسين عامًا التي خلت بين عامي 1496 ق. م. – 1841م أمكن حساب نحو مائتين وسبع وعشرين عامًا فقط عاشتها البشرية في حالة سلام نسبي! وإنما قيل سلام نسبي لأن بعض القطاعات البشرية استغلت هذه الأوقات من أعوام السلام، في سبيل الإعداد والتجهيز والتربص، من أجل خوض حرب جديدة مع الأعداء.
أما في التاريخ اللاحق لهذا المدى الزمني، فقد اطردت الحروب بلا ريث ولا انقطاع، لاسيما في القرن العشرين، وفيما انصرم حتى الآن من القرن الحادي والعشرين الذي طالما أمل الناس أن يكون قرنًا للسلام.
وما دمنا بدأنا بالحديث عن الهند، فنختم بحكاية من الهند أيضًا…
يذكر الدكتور عبد الوهاب الطريري في مذكراته بعنوان: “سماء الذاكرة” أن جَدَّه سافر إلى الهند لكسب المعاش، وهناك: “كان العربي إذا لقي العربي كأنه قد التقى بأخيه من أبيه وأمه”… يقول: “بينما نحن نسير في أحد شوارع مومباي مررنا بمقهى فيه أحد الإخوة اليمنيين، فلما سمع كلامنا قام إلينا ورحَّب بنا واستضافنا في المقهى، وتحدثنا جميعًا ثم تفرقنا. فلما كان الغد مررنا من ذات الطريق فإذا بصاحبنا اليمني في شجار مع صاحب المقهى وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي، فلما رأينا صاحبنا قد دخل المعركة، دخلنا معه على طريقة بني يعرب:
لا يسألون أخاهم حين يندُبُهم
في النائبات على ما قال برهانا
وكان صاحب المطعم هندوسيًا، فانضم إليه عماله الهندوس والمارة من الهندوس، ودخل معنا الهنود المسلمون، وتحولت مشاجرة فردية إلى معركة دينية بين فريقين، وما زالت الجموع تكثر حتى أغلقت الشوارع وحاصرت الشرطة المكان!