لكي تصنع الشعوب مستقبلها المشرق عليها تلقين أبنائها وبناتها قصص البطولة والتضحية. تلك إحدى وسائل الشعوب لمحاربة الإحباط – حين يحل بها مثل ظرفنا الذي نعيش. قلنا “الإحباط” لأنه أحد أقوى أسلحة الأنظمة الإستبدادية في تثبيط همم الشعوب ومحاولة إذلالها. لذا وجب محاربته بكل الوسائل. إنّ تلقينَ قصص أبطال المقاومة في تاريخِنا الحديث للأطفال والشباب أمر في غاية الأهمية. بل يجب تصدير الإحباط للطغمة التي اختطفت البلاد اليوم وتحاول تركيع شعبنا. لذا فإنّ تلقين الصغار قصص البطولة في تاريخنا فرض عين على كل أسرة. يجب أن يعرف أبناؤنا وبناتنا أن الوطن الذي يقودون شارعه الثائر بهدف تحريره من العسكر والجنجويد ، قد اتشح بلون الدم في مراحل من تاريخ استقلاله.
كان هناك دائماً طغاة ومستبدون. وفي المقابل كان هناك أبطال وبطلات في تاريخنا كم دفعوا غالياً مهر الحرية. وطبعاً ليس هناك مهر أغلى من أن تدفع الروح. يجب أن يعرف شبابنا الباسل أنّ شهداءنا: علي فضل والتاية والسنهوري وقصي وعشرات بل مئات الشهداء ممن دفعوا مهر هذه الثورة ، قد سبقهم من آبائهم وأجدادهم من سطروا أروع الملاحم من أجل أن تبقى شعوب الوطن حرة مستقلة بين الأمم.
هل يعرف شباب المقاومة شيئاً عن: عثمان دقنة الذي اعطى قفاه للملك جورج وقد زار زنزانته وهو في طريقه لجنوب أفريقيا ليرى القائد الذي كسر مربع الجيش الإنجليزي ، ولم يفعلها سواه في كل المستعمرات؟ أعطى الأسير عثمان دقنة قفاه لملك الإمبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس وواصل تلاوة المصحف. ماذا سيفعل ملك بريطانيا مع الأسير الذي كتب عن جنده شاعر الإمبراطورية (روديارد كيبلينغ) قصيدته (Fuzzy Wuzzy) معجباً بشجاعة محاربي شرق السودان الأسطورية.
هل علمنا بناتنا وأولادنا كيف هرعت رابحة الكنانية مسافة يوم لتحذّر الثائر محمد احمد المهدي في جبل قدير بأن جيش هكس باشا يتعقبهم؟
وأن عليهم أن يتخذوا التدابير؟
هل حكينا لهم كيف انتقم المك نمر من جيش اسماعيل الذي حاول إهانته ، بأن أحرقهم ولم ينج من المحرقة سوى القلة!؟
هل حكينا لهم عن بطل المقاومة السلطان عجبنا أروجا – سلطان النيمانج في جبال النوبة- وقد قاوم المحتل البريطاني لسنوات.. وأنه وهو تحت حبل المشنقة طلب بصوت عال بأن يقولوا للناس (في الحلال وفي الفرقان ، الما شاف عجبنا يجي يشوف عجبنا)!؟ وهل حكينا لهم عن بنته الأميرة المحاربة مندي، التي كانت تقود فيالق المحاربين وهي تغني وتحمل على قفاها طفلها الذي حصده رصاص جيش المستعمر؟
هل حكينا لهم عن السلطان تاج الدين سلطان المساليت (دار اندوكا) الذي هزم جيش الإمبراطورية الفرنسية في دروتي ودرجيل، واستشهد في الأخيرة.. والذي لو لا استبساله وجيوشه لكانت دار فور اليوم جزءاً من منظومة أفريقيا الفرانكوفونية؟
هل حكينا لهم عن عبد الله التعايشي الذي فرش فروته ومعه بعض الرجال ليصلوا ركعتين قبل أن يفرغ فيهم قائد جيش المستعمر رصاص مسدسه ؟
ثم هل حدثناهم عن عبد الفضيل الماظ الذي قاوم المستعمر في وضح النهار واستشهد في قلب الخرطوم –شارع الجامعة حالياً – وهو يحتضن مدفعه المكسيم ؟ كان ذلك في ثورة 1924 حينما كانت العسكرية تعني أن تطلق الرصاص على أعداء الوطن وليس على مواطنيه!
هل حكينا لهم عن أبطال الوحدة من جنوبنا الذي فصلوه في الخارطة ولم يفصلوه عن القلوب؟ هل يعرف شباب المقاومة شيئاً عن بوث ديو أو وليام دينق نيال أو حتى داعية فكرة السودان الجديد جون قرنق دي مابيور؟
بل هل حكينا لهم عن ابتسامة الشهيد محمود محمد طه التي هزمت الهوس الديني وهو تحت المشنقة – رمزاً آخر من رموز مقاومة الإستبداد؟ كانت مجلة (جين آفريك) ذائعة الصيت قد وضعت صورة الشهيد محمود محمد طه على غلاف إحدى طبعاتها، ثم كتبت تحتها: “القديس”!
وهل حكينا لهم عن رهط أحمد خير المحامي ومدثر البوشي وعبد الله الفاضل المهدي وإسماعيل الأزهري وعبد الخالق محجوب وغيرهم من رواد الحركة الوطنية ومؤتمر الخريجين؟ وبأنّ أولئك الرواد كانوا يحاربون المستعمر عن طريق حشد الشارع ، وتوزيع المنشورات ليضطروه للجلوس معهم إلى مائدة الحوار الجاد. فعلوا ذلك لعقود حتى نلنا استقلالنا في 19 ديسمبر 1955 – والذي أعلنوه يوم رفع العلم في أول يناير 1956.
يجب أن يعرف شباب المقاومة أنّ 19 ديسمبر، يوم يعني الكثير بالنسبة لنا نحن السودانيين. وأن الإنفجار الكبير في عطبرة يوم 19 ديسمبر لم يأت خبط عشواء.
هل حكينا لهم عن شعر وفن المقاومة في الثقافة السودانية؟ هل حكينا لهم عن خليل فرح (عزة في هواك) وعن يوسف مصطفى التني (في الفؤاد ترعاه العناية) وعن الصاغ محمود أبوبكر (صه يا كنار)؟ هل حكينا لهم عن ملاحم وردي ومحمد الأمين وأشعار هاشم صديق وعمر الطيب الدوش ومحجوب شريف وآخرين؟
نحتاج متطوعين لإقامة ورشات تنويرية مبسطة لشباب وشابات لجان المقاومة في الأحياء وفي جميع مدن وقرى السودان. هكذا ينطلق الوعي الذي هو إحدى الركائز التي تقوم عليها ثورة ديسمبر الفتية. يجب أن يعرفوا أنّ وطنهم بخير ، وأنّهم صاروا الكفة الراجحة اليوم لأنهم سلالة أولئك الأبطال.
قولوا لشباب المقاومة بأننا أمة تعرف كيف تؤدب الطغاة..ومن لا يعرف فليسأل كيف اجتث أجدادنا راس الجنرال غردون ، ممثل أكبر أمبراطورية في التاريخ الحديث – بريطانيا التي لا تغيب عنها الشمس!
الصورة لبطل المقاومة ضد المستعمر، السلطان عجبنا أروجا – جبال النوبة.
لندن
24/06/2022