ضياع مشروع ومصنع كناف أبو نعامة عبر (الخصخصة اللصوصية) ظلّ في رأسي طول الوقت وعلى مرور السنوات لا يغادر طيفه عيوني ومخيلتي.. مع إنني لم أتشرّف برؤية هذا المشروع ولا تلك المنطقة الحبيبة من الوطن ..علاوة على بعد الشقة بينها وبين مسقط رأسي في أم درمان ومسقط رأس أبي وجدودي في قرية الجبلاب وقوز بدر ريفي شندي غرب النيل ..! ولكنه حنين المواطنة…! شعور الوطن الجامع هو ما جعلني حزيناً مكلوماً على ضياع هذه المرفق الوطني الذي يعد رمزاً لأطماع لصوص الإنقاذ..و(نموذجاً حارقاً) لمسعى انتزاع اللحم الحي من جسد الوطن وضياع مرافقه التي لها فرادة (الخامة الوطنية) والمنبت المحلي.! .وبما يمثله هذا المشروع أيضاً من نموذج صارخ للفساد والسرقات الصريحة التي تستجلب لمرتكبيها استمطار اللعنات المُستحقة على (خصخصة حمدي) وكل من شارك فيها و)باء بإثمها( وحمل معوَل خرابها…!!
والمشاركون في هذه الخصخصة المُجرِمة ليسوا من الأشباح أو من طائفة الجِن والمرَدة.. إنما هم فلان وفلان وفلان من السودانيين الذين ارتكبوا هذه الإثم العظيم والأمثولة الشنيعة وباعوا شرف المسؤولية وأهدروا موارد البلاد فأحالوا ملكية الوطن وحقوق الشعب إلى (زعيط وومعيط) من محبيهم وأشياعهم..وإلى آخرين من المتلهفين على تشليع مرافق الدولة من اجل الثراء الشخصي واستطعام (اللقمة الخطأ) ومعاقرة السحت على حساب المنفعة العامة والملكية الوطنية.. فيا لهم من سعالي وغيلان وعفاريت تجرّدوا من شرف المواطنة وتجرّد منهم شرفها…ألا لعنة الله على دهاقنة الاستثمار الكاذب..!!
أعادت إلى قلوبنا وعقولنا هذه السيرة الحزينة المُحققة الصحفية عالية المهنية (أم زين آدم) في تحقيقها عن قصة فساد بيع كناف أبو نعامة فأوشكت أن أقول لها من أغنية علي المسّاح (نغيم فاهك يا “أم زين” دواي…شفايا البجبر قواي)..! فقد طلعت بنا في سياحة (تنقيب وحفريات) تريك العجب من هوائل (حرامية السودان الألداء)..بعد مقدمة زاهية ثرية الصورة عن (أبو نعامة) هذه الحاضرة الجميلة في سنار بأرضها الواعدة الخصيبة التي نهض عليها هذا المشروع الذي يعد (تحفة مشروعات السودان) لأنه استطاع تحقيق (زواج الزراعة بالصناعة)..ومن حيث إنتاجه من الجوالات والدوبارة والحاويات العشبية المتينة الصقيلة التي تحتضن منتوجاتنا الزراعية الأخرى من أقطان وحبوب وخضروات وبقوليات..إلخ فهو مشروع للوطن ولاقتصاده ولعماره ولمعيشة أهل القرى المجاورة..ومن حيث أنه مرفق متعدد النفع يسهم في تشغيل أبناء المنطقة وفي بناء الكوادر وتدريبها وفي تحقيق الكفاية من الاحتياج المحلي وتوفير العملة الصعبة من التصدير ومن توفير ما تدعو الحاجة إلى استيراده…! ولكن ما أن جاءت الإنقاذ بشجرتها الكئيبة التي (تخرج في أصل الجحيم) بطلعها الذي (كأنه رءوس الشياطين) حتى سال لعاب جماعتها على هذا المشروع…!! كيف يتركونه للمنفعة العامة ولا يستولون عليه لإثراء ذواتهم وإشباع شرَههم وتمكين أنفسهم الشحيحة الخربة..؟! هكذا بدأت مأساة هذا الصرح منذ بواكير (رماد الإنقاذ وسجمها) في عام 1992..! لقد خصخصوه تمهيداً لسرقته وجاءت إلى ملكيته أسماء مموّهة لشركات من الداخل والخارج..وظهرت حينها أسماء هاشم هجو والراجحي والدالي والمزموم و(دلة البركة) فنزعوا البركة من المشروع.. ثم توالت (رقصات الثعالب)..!!
أرض المشروع مملوكة بالحكر لحكومة السودان فهل يمكن أن تنتقل منفعتها إلى رجل أعمال أياً كانت صفته ونعته..؟! هل هو تواطؤ من حكومة الولاية ضد القانون وضد مصلحة الولاية والوطن والسكان..؟! هل هو استثمار في المشروع أم بيعه..؟! كيف أصبح المشروع (شركة محدودة) دخلت فيها وتنازعت أسهمها ولاية سنار..وشركات خاصة بإخوة أو أشقاء..وشركة للحفريات مديرها العام والى الولاية ورئيس مجلس إدارتها الأمين العام لمنظمة الدعوة الإسلامية بالمنطقة (المحلولة بالقانون) وهو صاحب الإمبراطورية العقارية العجيبة بمدينة ربك وما حولها الذي كشفت تجاوزاته الفاسدة لجنة إزالة التمكين..! (إن هذا لمكرٍ مكرتُموه في المدينة لتُخرجوا منها أهلها).. بإذن الله نواصل هذه الحكاية غداً..!!
murtadamore@yahoo.com