أعزي جميع السودانيين في كل نفس سقطت في المظاهرات الأخيرة، وما سبقها بعيداً عن أي موقف سياسي.
وكذلك أعزي أسرة السياحة في السودان في رحيل رجل ولد في البلد، وأحبه، وعاش فيه طول حياته في خدمة الزوار، وأحياناً كثيرة في خدمة المواطنين المحليين.
اليوم فاضت روح الرجل اللطيف جورج باغولاتوس مالك فندق آكروبول بعد صراع طويل مع المرض.
تأسس الفندق في قلب الخرطوم قبل نحو 80 عاماً.
وظلت عائلة باغولاتوس اليونانية الاصل تديره باقتدار رغم الأزمات الاقتصادية، وانهيارات الأمن التي كان منها تفجير الفندق عام 1988م، لتتم إعادة افتتاحه في مبنى مجاور بعيد ذلك.
ظلت العائلة تحتضن الزوار كعائلة حقيقية لهم، وخاصة الصحفيين الأجانب إلى يومنا هذا.
يستقبلون القادم في المطار من خلف منطقة التسجيل الأمني، وينقلونه بسيارة مكيفة، ويوفرون الوجبات بمواصفات المطبخ المنزلي، ويتولون تخليص جميع الإجراءات الإدارية، وخدمات الاتصال، والعملة في جو مريح، واهتمام شخصي.
خلال آخر زيارة لي إلى السودان أصبت بالكوفيد، فأحاطوني بأقصى درجات العناية التي تجاوزوا معي فيها علاقة المضيف بضيفه إلى علاقة الأسرة بابنها.
الفندق كان أقوى نموذج للصمود في وجه التحديات التي يواجهها السودان.
فقد هاجر رجال الأعمال، وأغلقت الشركات، وتحول الحي الأفرنجي الذي كان أرقى حي في الخرطوم منذ عهد الانجليز – تحول الى خرائب، وسالت الشوارع بمياه الصرف الصحي، وهرب السياح، وقل القادمون من الخارج.
ولكن بقي فندق الأكروبول صامداً متشبثا بآخر بارقة أمل في عودة الازدهار الذي كان.
خلال إقامتي الاخيرة هناك، كان جورج يتلقى العلاج في اليونان، واشتدت أعمال العنف من حول الفندق، ورأيت الوجوم والتساؤلات من حين لآخر في وجوه الاخوة.
ولم أجرؤ على سؤالهم عن مصير وجودهم في السودان، وعن مصير الفندق إذا رحل جورج.
وقد بقيت تلك التساؤلات حائرة، وما تزال.
تعازي الحارة لنورا وتاناسيس ومايك وبقية أفراد العائلة الجميلة.
وكذلك أعزي العمال والعاملات علاء الدين، آنجليكا، كوليت، خديجه، أبو سن وتبارك الرحمان الذين شكلوا جزءاً رائعاً من هوية الفندق لطول مدة خدمتهم فيه، واخلاصهم له.
وستبقى ابتسامة جورج الهادئة المطمئنة تذكرني بحقبة مميزة من تاريخ السودان تطويها الآن رياح الأيام، كما طوت غابر الحقب.