يختلط على كثيرين مفهوم الملكية الفكرية وحقوق المؤلف رغم أن قانون حق المؤلف لسنة 1996 قد حسم الكثير من التفاصيل وحفظ للمبدعين تحديداً حقهم ، ولأن معظم الخلافات التي تحدث في بلادنا في الفترة الأخيرة كانت حول الغناء فإن المتمعن لقانون حق المؤلف يجد أنه لم يترك شاردة ولا واردة وحفظ للجميع حقوقهم ، وقام بتصحيح ما تعارف عليه الناس وكان مبنياً على الخطأ.
بداية ما حفظه القانون هو نسب العمل الإبداعي لصاحبه الأصلي فالأغنية مالكها مؤلف النص الشعري ومؤلف اللحن ، ويكون المغني صاحب حق مجاور فقط ولا يسمح له القانون بترديد الأغنية إلا بموافقة أصحابها المؤلفين من شاعر وملحن، ولا مانع أن يمنح المؤلف حق الأداء لعدد من المطربين طالما استأذنوه وتعاقدوا معه، يستثنى من ذلك أي أغنية تم التعاقد عليها على سبيل التخصيص. ويتحول حق المؤدي إلى حق أصيل في حالتين الحالة الأولى بخصوص أدائه الفعلي للأغنية ، فمن حقه أن يمنح هذا الأداء لأي منبر لنشره ومن حقه كذلك منع أي منبر من بثه ويكون هنا حقه أصيلاً، الحالة الثانية أن يقوم بأخذ موافقة المؤلفين على سبيل التخصيص، بأن يكون هنالك بند في العقد الذي وقعه مع المؤلفين الشاعر والملحن يثبت أن الأغنية مخصصة ليتغنى بها المطرب المحدد وحده ولا يسمح لمطرب آخر بأدائها.
وهنا لابد من التوقف لدى نقطة مهمة هي أن المطرب يجب ألا يتغنى بعمل دون موافقة أصحابه المؤلفين وهذه الموافقة يجب أن تكون مكتوبة بموجب عقد بواسطة محامي ، ولا تكفي الموافقة الشفهية لحماية المطرب ، يسري هذا على كل الأغاني عدا التي صارت تراثاً بحكم عامل الزمن ، وهنا لابد من التوضيح أن الأغنية تتحول إلى تراث وملك عام ويمكن لأي مطرب أن يؤديها دون الرجوع لأي جهة وذلك بعد وفاة مؤلفها بخمسين عاماً، ويخطئ كثيرون إذ يظنون أن الأغنية تتحول إلى عمل تراثي وتصير ملكاً مشاعاً بعد خمسين سنة من تأليفها وهذا خطأ ، لأن الصحيح أنها تصير تراثاً بعد وفاة مؤلفها بخمسين سنة.
قانون حق المؤلف يفرض على أي منبر يريد بث الأغنية أن يتعاقد مع مؤلفيها من شاعر وملحق ، ولاحظنا من خلال عملنا في المؤسسات الإعلامية أن المطربين كثيراً ما يخطئون بأن يأتون بعقد من الشاعر أو الملحن أو كليهما مكتوب فيه (بهذا فقد سمحت للمطرب الفلاني أن يتغنى بأغنيتي في أي منبر وأي مكان) هذا البند يحمي المطرب لكنه لا يحمي منبر البث، فإذا كانت قناة فضائية مثلاً فلابد أن يكون هنالك عقد موقع بين القناة وبين الشاعر والملحن يسمح فيه المؤلفون للقناة ببث الأغنية.
من الملاحظات المهمة في قانون حق المؤلف أن تجاوز حقوق المؤلف لا يسقط بالتقادم ، فإذا بثت قناة أي أغنية فمن حق المؤلفين رفع دعوى قضائية في الزمن الذي يناسبهم ، إذا لا يسقط حقهم في التقاضي بالتقادم ، كذلك حق المؤلف محفوظ دون شروط ، إذ ليس ضرورياً أن يكون النص الشعري مثلاً أو اللحن مجازاً من جهة الاختصاص ، وليس مهماً أن يكون جيداً أو ضعيفاً ، ولكن من المهم أن يكون لدى المؤلف ما يثبت أن العمل الإبداعي من تأليفه هو ، ومن هنا ننتبه لضرورة توثيق حق الملكية الفكرية وهنالك مكتب متخصص في هذا الشأن بإدارة المصنفات الفنية.
وبمثلما يحفظ قانون حق المؤلف حقوق المبدعين المادية يحفظ لهم كذلك حقهم الأدبي ، فعند بث أي أغنية مثلاً لابد من كتابة اسم الشاعر واسم الملحن وكذلك اسم المؤدي ، ولابد من الانتباه أن حق المؤدي ينتهي عند أدائه الأغنية ، ومن هنا نشير إلى خطأ كبير صارت تقع فيه قنواتنا إذ يضيع حقاً أدبياً كبيراً على مطربينا وهم لعدم معرفتهم وربما لعدم اهتمامهم لا يطالبون بحقوقهم ، فقد درجت هذه القنوات على كتابة عبارة (مشاركة أداء) وفي هذا ظلم كبير يقع على المؤدي ، فإذا أدت المطربة مكارم بشير واحدة من الأغنيات التي كان يؤديها الفنان الراحل سيد خليفة نجدهم يكتبون (غناء/ سيد خليفة.. مشاركة أداء/ مكارم بشير) وهذا خطأ شنيع يظلم المطربة مكارم التي نذكرها هنا كثال فقط للتبيين ، هذا خطأ لأن التسجيل المحدد ليس فيه أداء للفنان الراحل سيد خليفة وكذلك فإن المطربة مكارم بشير لم يشاركها أحد في الأداء بل أدت الأغنية بمفردها وقد يندهش المشاهد لقراءة عبارة (مشاركة أداء) لأنه يرى ويسمع مطرباً واحداً قام بالأداء وليس هنالك شريك. وحق الأداء السابق ليس له وجود هنا حتى وإن كانت الأغنية قد اشتهرت بصوت فنان معين وعرفت من خلال أدائه، وقد درجت قناة النيل الازرق على ممارسة هذا الخطأ الفظيع الذي يخالف القانون ورأيناه بالذات عبر برنامج (أغاني وأغاني) ، وكنا نتوقع عقب وفاة الأستاذ السر أحمد قدور عليه رحمة الله أن يقوم المبدع المثقف مصعب الصاوي بتصحيح هذا الخطأ ونسب الأغنية لمؤديها الفعلي وليس للفنان الذي كان يغنيها في السابق، ولعلم الأخوة المطربين أن كل من ظلم بعبارة (مشاركة أداء) وهو المؤدي الفعلي والوحيد له حق يحفظه القانون وبإمكانه نيل التعويض عبر محكمة الملكية الفكرية.
هنالك جوانب عديدة في قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة سنتطرق إليها لاحقاً في مقالات قادة بعون الله لإزالة الغموض في تلك الجوانب ولنا أكثر من عودة بإذن الله.