أربك رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان المشهد السياسي السوداني الاثنين الماضي (٦ يوليو ٢٠٢٢م) بعدم مشاركة المكون العسكري في الحوار الذي تديره الآلية الثلاثية، وحل مجلس السيادة بعد تكوين حكومة تنفيذية، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة، مع التزام المؤسسة العسكرية بتطبيق مخرجات الحوار.
جاء الخطاب متزامناً مع تصاعد الحراك الثوري الرافض لاستمرار المكون العسكري في الحكم، والمطالب بعودتهم الى الثكنات مع زيادة رقعة الاعتصامات والمقاومة.
وفي أول ردود فعل من القوى السياسية أعلن تحالف قوى الحرية والتعيير رفضه الخطاب، ووصفه بأنه مناورة مكشوفة، وتراجع تكتيكي، ومحاولة لشرعنة الانقلاب، ودعا إلى مواصلة المد الثوري من اعتصامات ومواكب، وإضراب سياسي، وصولاً الى العصيان المدني الشامل لإجبار السلطة على التنحي.
كما رفضت لجان المقاومة الخطاب جملة وتفصيلاً، ووصف القيادي بقوى الحرية والتغيير طه عثمان إسحق، الخطاب بأنه أسوأ من انقلاب 25 أكتوبر، وكشف رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير (أن الضغط الجماهيري المستمر في كافة ربوع البلاد هو الذى دفع البرهان للخروج بالخطاب الأخير)، معرباً عن رأيه بأن الخطاب ضل الطريق، وأن عودة الجيش إلى الثكنات لا يتم دون حلحلة القضايا الأسياسية، وعلى رأسها توحيد الحيش، والإصلاح الاقتصادي والأمني، وإصلاح المؤسسات العدلية.
في السياق ذاته، أكد عضو مجلس السيادة السابق محمد الحسن التعايشي أن الخطاب لا ينهي الانقلاب ول يعالج القضايا التي أعاقت الانتقال للتحول المدني الديمقراطي، ويربك الساحة السياسية أكثر مما هي عليه، إذ إنه لا يمكن تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة قبل الاتفاق على سلطات الجيش، ودور السلطة المدنية في عملية إصلاح القطاع الأمني، ومستقبل الشركات الأمنية.
كما أوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير ياسر عرمان أن الخطاب هو اكمال لانقلاب 25 أكتوبر، ويسعى إلى تمرير صفقة عبر الآلية الثلاثية تشرعن للانقلاب.
وفي إفادة خاصة، أوضح البروفيسور عمر محمد على محمد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم والمحلل السياسي المعروف أن خطاب البرهان غير واضح، ولم يأت بقرارات حاسمة في ظل الأوضاع المتردية للغاية، وليس في حل المدنيين من مجلس السيادة جديد، إذ لم يكن لهم أدوار أو مهام رئيسية يؤدونها، إنما فقط مهام هامشية، مبيناً أنه في الأساس ليس خارطة طريق، ولن يوصل البلاد للانتخابات، أو حفظ الأمن على الأقل؛ داعياً قوى الثورة إلو توحيد الخطاب الثوري، والدفع بخبرات سياسية في مجال التفاوض وإدراة النزاعات.
والملاحظ أنه رغم محاولة البرهان لإظهار قدر من الجدية في التخلي عن السلطة، وعودة الجيش للثكنات، وحل مجلس السيادة بتكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة يختض بشؤون الدفاع ولأمن، لكن اشتراطه ذلك بتكوين حكومة تنفيذية، وحدوث توافق سياسي بين القوى السياسية يدل على مراهنته على عدم إمكانية التوافق بين المدنيين، لاسيما أنه لا يبدو في الأفق المنظور-على الأقل- اتفاق حقيقي بين مكونات القوى الثورية والسياسية المختلفة في البلاد، كما أن الخطاب لم يشر من قريب أو بعيد للسلطة التشريعية، وفي أحسن الفروض ستكون من مهام مجلسها الجديد الذى سيستكمل بعد قيام الحكومة التنفيذية، كما صمت الخطاب عن السلطة القضائية؛ مما يعني ضمنا استمرار الوضع على ما هو عليه.
ويمكن القول إن الراهن السياسي الآن مفتوح على لاحتمالات كافة، ويمكن للنخب السياسية إذا توافقت الإرادة السياسية على توحيد جبهة الثورة وتواثق القوى المدنية على هدف واحد وهو إسقاط المجلس العسكري بعيداً عن التشاكس والمعارك الجانبية مع استمرار المد الثوري السلمي أن تحقق مطالب التحول المدني الديمقراطي، وتحفظ البلاد من التشظي، او الانزلاق بالسودان الى وادٍ سحيق.