(( الانجليز طلعوا و قلنا (نسودن) الوظائف بمعني نجعلها سودانية ميه في الميه و هاك يا مدراء و يا مفتشين و كل حسب نسبه و حسبه و ليس لكفاءته و من هنا جاطت المسألة و بعد ذلك حدث و لا حرج و سأحكي لك حادثتين من حوادث السودنه و لك ان تحكم بعد ذلك ، الحادثة الاولي كانت في مكتب العمل، أذ كنت وقتها أعمل ضابطا لفض النزاعات بين العاملين و جهات التشغيل ، و أذكر ان النزاع كان بين نقابة عمال النقل الميكانيكي و جهة تشغليهم فدخلت مكتب المدير الذي كان يجلس عليه الانجليزي فوجدت مديرا سودانيا و بينما أنا أتناول أطراف الحديث معه دخل عليه أحد الموظفين التابعين له و هو يحمل جواب مكتوب باللغة الانجليزية فطلب من المدير أن يمضي عليه و المدير ما كان بعرف إنجليزي فألتفت الي الموظف فسأله عن محتويات الخطاب فقال له الموظف هذا الخطاب فيه كذا و كذا فقال المدير للموظف :- ( أنا بمضاهو ليك …. لكن الخائن الله يخونو )
الحادثة الثانية عن واحد عملوه مدير في منصب المدير الانجليزي و صار يجي الصباح حاملا الشنطة و الكدوس في طرف فمه ، فبعد تلاتة او اربعة أيام صاح في الباشكاتب و سأله عن الجوابات و المراسلات التي يجب ان يمضي عليها كمدير فقال له الباشكاتب :- ( يا سعادتك الجوابات دي بتصدر منك أنت كمدير )
فالشاهد في الموضوع أن ذلك المدير كان بيعتقد ان الخواجه كان بيجي بمضي و بس ، السودنة تمت من وجهةنظر سياسية و لذا جاءت بالرجل الغير مناسب في المكان المناسب ))
هذا مقتطف من حوارية مع الاستاذ الراحل المقيم محمد توفيق – صاحب الجمرات – الحوار نشرته مجلة (ثقافات سودانية) في عددها الرابع في العام1998م ، كانت هذه المجلة تصدر عن المركز السوداني للثقافة و الاعلام بالقاهرة .
( جمرات ) الاستاذ محمد توفيق و التي داوم علي كتابتها زمنا طويلا و تباهت بها جريدة (الخرطوم)- نسخة القاهرة – علي صفحتها الاخيرة ، إنها (جمرات) محمد توفيق دائما ما تلخص مقولتها الأساسية مستفيدة من علائق و إشتباكات الحراك السياسي في السودان بين الازمنة و العهود المختلفة :-
(( بين ما كان زعماء المعارضة لحكومة 17 نوفمبر و علي رأسهم الازهري و عبدالله خليل معتقلين في جنوب السودان ، إنتقل طيب الذكر الامام الصديق المهدي الي رحاب الله و أنتقلت إمامة الانصار الي أخيه الراحل الامام الهادي ، طيب الله ثراهما ، وكان من أنشطة المعارضة يومذاك إنتهاز فرصة المناسبات الدينية و الوطنية لمخاطبة الجماهير و توعيتها بخطاب يعدد أخطاء الحكومة و يحدد موقف المعارضة ، وفي أول مناسبة بعد رحيل الامام الصديق أعد الخطاب الذي جاء مثيرا في عباراته و قويا في مضمونه مؤكدا ان لا مساومة و لا تهاون ، مطالبا الحكومة بالتنازل و التسليم، وكان الامام الهادي رحمه الله أول المشيدين بالخطاب و الداعين لإلقائه بدون حذف او تعديل
و في اليوم الموعود تقاطرت الجموع الي (البقعة) حيث قبة المهدي مشوقين لسماع الخطاب ، و لكن ، لدهشة الجميع وقف احد شيوخ الانصار و ألغي خطابا مغايرا للخطاب المتفق عليه فأنصرفت الجماهير غاضبة ثائرة .
واليوم تتبرأ هيئة شئون الانصار و تستنكر خطبة السيد احمد المهدي في عيد الفطر المبارك ….. فما أشبه الليلة بالبارحة .
محمد توفيق ))
هذه (الجمرة) إخترتها من بين أرشيف جريدة الخرطوم و قد نشرت في عدد الاربعاء19 فبراير 1997م ، أتامل قدرة هذا الراحل العظيم علي الإختذال وذلك من خلال جمراته التي حتما ستحرق (الواطيها ) و تصدق دائما في مقام الاستاذ محمد توفيق تلك المقولة ( إن القابض علي كلمته كالقابض علي الجمر )
(( كانت صحيفة الوان من اوائل الصحف السودانية التي اشارت الي حادث غرق المجندين ونقلت عنها بعض الصحف العربية الخبر المشئوم وبينما كانت الاسر السودانية تجري مهرولة الي حيث لا تدري باحثة عن الحقيقة و عن مصير ابنائها باكية مولولة كان تلفزيون جمهورية السودان يغني و يرقص كما لم يفعل في مناسبة من المناسبات وشهد بذلك من شهد من اهل النظام فقد نقلت صحيفة الحياة بتاريخ 13 ابريل عن صحيقة الوان ان الاعلام الرسمي لم يعط الماساة حقها و ان التلفزيون كان يعرض برامج فكاهية و يقدم المسابقات في وقت يعتصر الألم الاسر ووجهت الصحيفة انتقادا الي وزيري الاعلام و الدفاع ووالي الخرطوم، لو كنت مكان صاحب الوان لطالبت حكومة الانقاذ بالتنحي مصحوبة بلعنات اسر الضحايا فقد بلغ السيل الزبي .
محمد توفيق ))
جمرة أخري في عدد السبت 18 فبراير 1995م و أتامل ، هل طقس رمي الجمرات له علاقة بجمرات الاستاذ محمد توفيق ؟ ، علي كل يبدو ان الشياطين سعيدة برحيل هذا الملخص و المختذل و الساخر الكبير
(( كيف يكون ذبح الأبرياء من الشيوخ و النساء و الاطفال دعوة للإسلام ؟، و كيف يكون قتل الابرياء في الطرقات و الميادين و الأماكن العامة و الاسواق بالعربات الملغومة و القنابل الموقوتة إنتصارا للإسلام ؟ ، وكيف يكون إغتيال الكتاب و الأدباء و رجال الفكر و الإعلام غدرا إنتقاما للإسلام ؟ ، ومن الذي يقول ذلك و يدعو إليه ؟ ، و كيف تتفق صحافتنا و إعلامنا مع صحافة الغرب و تصف الذين يقومون بهذه الجرائم بالإسلاميين المتطرفين ؟ ، و متي كان الإسلام دين تطرف ؟
إن الإسلام الذي تعلمناه و عرفناه و نمارس فرائضه و سننه و مستحباته و وجدنا عليه أباءنا و أجدادنا دين محبة و مودة و سلام ، إن الذين يؤيدون مثل هذه الجرائم سرا او علنا ، بطريق مباشر او غير مباشر هم الذين يعرضون المسلمين لتهمة الإرهاب ، يتباكون علي مسلمي البوسنة ويسكتون علي مجازر المسلمين في الجزائر و افغانستان
محمد توفيق ))
جمرة أخري تتجمر بالتساؤلات و تصرخ بلهب الحق وهي تعري النقائض ، هي جمرة تعري ايدلوجيا الرماد ، جمرة في وجه صناع الخراب ، جمرة تتحالف مع صدق اللهب ذاك الذي حتما سيهزم أخطبوط الظلام ، جمرة تحرق أفكار من إنتحلوا صفة الحرباء ، الثلاثاء 13 مايو 1997م
(( جاء بصحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 10 مايو ان النقاشات تتصاعد علي صفحات الجرائد السودانية عن الديمقراطية و التعددية الحزبية بعد التوقيع علي إتفاقية السلام بين نظام الجبهة الاسلامية و الإستقلاليين الجنوبيين المنشقين عن الحركة الشعبية و يشترك في هذه النقاشات جماعة ( ابعد عن الشر وغني له) ، هم الدكاترة و الأساتذة الذين ظلوا مع النظام منذ يومه الاول و يتعاملون معه باسلوب أضعف الإيمان لتجميله و تزيينه و ليس للإطاحة به و من الغريب ان يكون بين هولاء قطب الجبهة الاسلامية القومية السيد احمد عبدالرحمن محمد وزير الصداقة الشعبية الذي إكتشف اخيرا ان قيمة الحرية قيمة عميقة في الشعب السوداني و لا يمكن لاي جماعة فرض حمايتها عليه ، ولكن اذا إعتقد قطب الجبهة الاسلامية انه أذكي من الأخرين و يمكنه خداعنا بأنه ليس حزبيا متطرفا فقد خدع نفسه قبل ان يخدعنا ، فقد إكتشف الشعب السوداني من زمن بعيد ان سيادته (موية تحت التبن)
محمد توفيق ))
وهاهي جمرة ضد تسليع قضاء الحاجة ،فكما لكل حالة لبوسها فان لكل حالة جمراتها
(( انه من أهم الاماكن التي لا يخلو منها بيت او قصر او مكان عمل ، لانه من لزوميات الانسان كائنا من كان ذلك الانسان لقضاء حاجته و فك ضائقته تلبية لنداء الطبيعة و هو مكان متعدد الاسماء نصطلح علي تسميته بالحمام لزوم التمدن و التحضر ، و تتميز المدن المتحضرة بتعدد هذه المرافق في مختلف أحيائها و أسواقها خدمة للمواطنين و حفاظا علي نظافة المدينة ، وكانت عاصمتنا المثلثة واحدة من هذه المدن في يوم من الايام ولكنها تخلفت عن الركب و يقال ان احد محافظي الولاية قد تنبه الي هذا التخلف و أراد إلحاق محافظته بالمدن المتحضرة فأقام مرفق من هذه المرافق في احدي اسواق محافظته لراحة الجماهير و لكن لم تتم فرحة الجماهير ، فقد قرر سيادته ان تكون قيمة التذكرة لإستعمال هذا المرفق مائة جنيه بفك ضائقة محافظته المالية … شفاها الله
محمد توفيق ))
جمرات الاستاذ محمد توفيق تسعي حثيثا وبتلك القدرة الدؤوب علي التأمل و قراءة العلائق و الإشتباكات في المشهد السياسي و من ثم تفجير الاسئلة الحارقة ، إن الاستاذ الراحل المقيم محمد توفيق يتجمل دائما بتلك الحيوية التي أشار اليها الشاعر المصري صلاح عبد الصبور – شهوة إصلاح العالم – و قد إختار صاحب الجمرات لهذه المهمة النبيلة اسلوب الإختذال المكثف و المشبع بروح السخرية العالية و لا يتخلي الاستاذ محمد توفيق عن سخريته حتي في حياته اليومية فقد ذهبت الية مرة في القاهرة كي أستأذنه بأن نقرأ جمراته في برنامج إذاعي مخصص لها لاذاعة التجمع الوطني الديمقراطي فقال لي :- (( خلاص بالمرة أديها لي وردي يلحنها و يغنيها ))
في نسيج الحوار الذي أجرته مجلة (ثقافات سودانية) تجد السخرية اللاذعة متناثرة هنا و هناك في ردوده علي الاسئلة ، هذا الحوار أجراه الاستاذ عبدااله عبدالوهاب و الاستاذ الزين صالح ، وها هي جمرة لم تنشر في جريدة الخرطوم إلتقطها من هذا الحوار ، ففي رده علي السؤال الاتي :- ( لماذا لم يطور قادة المؤتمر – مؤتمر الخريجين – منهج التعليم خاصة انهم إستلموا السلطة بعد الإستقلال ؟ ))
قذف الاستاذ بجمرته اللاذعة تجاه ذلك السؤال قائلا :- (( يا أخي نحن كوبر ما صلحناها علما بانه السجن الذي يستضيفنا عقب كل إنقلاب عسكري وهذا الكلام قلتو لازهري بعد 1964م قلت ليهو (يا ريس صلح زنزانات كوبر عشان لامن نمشي ليها المرة القادمة نجدها تليق بالمقام ) فالشاهد ان الحركة الوطنية وقفت عند الاستقلال ))
أحلم ان أري جمرات الاستاذ الراحل المقيم محمد توفيق بين دفتي كتاب .