دخلت الثورة مرحلة التخريب من الداخل من خلال النزاع بين لجان المقاومة. وضرب العلاقة بينها وبين المكونات الثورية الأخرى. ثم التشكيك في شعاراتها التي ترفعها والسخرية منها مثل شعار التغيير الجذري.
والمرحلة المقبلة ستشهد تجيير الزخم الثوري لصالح تحسين الموقف التفاوضي لقوى الحرية والتغيير لانتزاع أكبر قدر من المكاسب في التسوية القادمة. والتي يدخلها المكون العسكري بتعويض صلاحياته لجماعة التوافق الوطني بعد إعلان انسحابه من العملية التفاوضية حتى يترك المجال للمدنيين حسب خطاب البرهان الأخير.
تستند عملية التخريب على عدم الوضوح النظري الذي يتم في غيابه خلط حابل الثوريين بنابل الانتهازيين المسنودين من مجموعة (حكماء اليسار). ويبدأ التخليط بالنظر للجميع كقوة ثورة في مواجهة العسكر في حين يسعى البعض إلى التقارب معهم عمليًا ورفض التسوية نظريًا. وهناك تصريحات لقيادات في الحرية والتغيير قصد منها جعل الباب مواربًا. وهي مرسلة لعدة جهات على رأسها المجتمع الدولي. مثل قول أحدهم بأنهم سيعتمدون التصعيد الثوري في حال رفض البرهان الحل السياسي. وهو حل تفاوضي وأي حل تفاوضي هو تسوية. لأنه ينطوي على تقديم تنازلات متبادلة. لهذا السبب تقف قوى الحرية والتغيير مع التصعيد في الوقت الذي ترفض فيه الحل الجذري ويجعل منه كادرها مادة للتندر والسخرية. وتضع العراقيل أمامه بالعمل على عزل القوى التي تتبناه، بل يتم تفسير الشعار بطريقة متعسفة تربطه بنهج الحزب الشيوعي الذي يوضع على أنه يرتكز على مفاهيم سياسية تعود إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ويتبرع دهاقنة اليسار غير الماركسي للقيام بهذه المهمة. ويغرقون العملية في جدل فلسفي حول الحداثة وما بعدها. ويهرعون إلى المراجع والكتب لضبط المصطلحات حتى تغيب طبيعة الصراع الذي يدور على أرض لجان المقاومة وفي الاعتصامات. مع أن التغيير الجذري معروف وهو إعادة صياغة الحياة السياسية والاقتصادية بما يسمح بنصب ميزان العدالة وسد المنافذ أمام الإسلامية الطفيلية التي تستحلب ثدي الدولة. وملاحقة الذين نهبوا أموال الشعب وإرجاعها منهم ووضعهم في السجن. وإن ما حدث خلال العامين الماضيين وبمشاركة قوى الحرية والتغيير لم يحدث فيه تحقيق لشعارات الثورة. وظلت القوى التي ثارت ضدها الجماهير مسيطرة. ولذلك لا بد من تغيير يستأصلها من الجذور.
لكن تعريف المعرف في اللغة يفيد التنكير حتى يخضع المفهوم أو المصطلح لإعادة نقاش في الغالب يكون الغرض منها طمس هويته. والسخرية التي يتعرض لها مفهوم التغيير لا تعود لارتباطه بأدبيات الحزب الشيوعي ولكن لان تنفيذه يستهدف القوى التي تحاول قوى الحرية والتغيير الدخول معها في تسوية بإشراف دولي وإقليمي. وليس من المعقول أن توافق على محاسبة نفسها. من الممكن أن يوافق العساكر على إقامة العدالة بصورة عامة لكن لن يقبلوا بتوجيه أصابع الاتهام لهم وبشكل مباشر وإحالتهم للمحكمة وفق ذلك. وإذا تمسكت الحرية والتغيير بهذا الشرط ستبدو غير جادة في نظر الوسطاء الدوليين وربما خضعت لعقوبات. وإن هي تخلت عن هذا الشرط فقدت الشارع. لذلك سوف تنحاز إلى الثوار بالقدر الذي يمكنها من انتزاع أكبر قدر من المكاسب على حساب الجهات التي دفع بها العساكر إلى المشهد السياسي تحت دعاوي الحوار الذي لا يستثني أحد. وإذا قدمت قوى الحرية والتغيير التنازلات المطلوبة وصمتت عن تحقيق العدالة فيما يخص جرائم فض الاعتصام وقتل المتظاهرين بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر وتخلت عن إعادة هيكلة الجيش، أو تركت هذه المهمة للعساكر فإن العساكر لن يبدون نفس الحماس لمجموعة اعتصام القصر.
وحتى تتحرك الحرية والتغيير بمرونة لا بد أن تسود شعارات التفاوض والحل السياسي أو العملية السياسية وسط لجان المقاومة، وطبعًا هي مسميات لشيطان واحد اسمه التسوية مع اللجنة الأمنية لنظام البشير. حتى إذا وافق العساكر على شرط الحرية والتغيير غير المعلن وهو إخلاء الساحة لهم من أي منافس حالي أو محتمل وقبلوا بالتسوية معهم ارتدت هي على الشارع. خاصة وانها لم تلتزم جانب التغيير بمساحة أكبر من تلك التي تمكنها من إحكام قبضتها على السلطة.
لذلك يقتضي الوضوح إعادة تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وأن نقول بكل صراحة أن كتلة الحرية والتغيير ليست من قوى الثورة. وإنها تسعى لإفراغ الحراك الجماهيري من مضمونه الثوري وجعله متوافق مع المصالح الطبقية القديمة التي ثارت عليها الجماهير وقدمت من أجلها الشهداء. كما أن كثير من حكماء السياسة الذين يظهرون بمظهر الورع الثوري ويقدمون النصائح للكل دون مراعاة فروق الوقت أو المصالح يجب إعادة تعريفهم باعتبارهم سماسرة دوليين.