عجوبة ، الهادئة ، الرزينة ، المتعاونة ، المتعاطفة، لعّابة الكورة . وناس عجوبة ، أهل الكرم والجود ، والعفة .. وناس عجوبة أهل السوق وقادته ، وناس عجوبة ، صنّاع الزيت وكبار الجزارين ، وكبار المستهلكين بمنطقة معتوق . عجوبة قديمة ، ربما يرجع تاريخها للسلطنة الزرقاء ، وقيل فيها (عجوبة تعجب ) ، وقيل أن من قالها هو الشيخ يوسف أبو شرا ، وقيل قالها الشيخ دفع الله ود الشيخ حمد النيل ، وقيل قالها الشيخ دفع الله ود أبوعاقلة ود الشيخ حمد النيل . والمهم أن عجوبة الآن تعجب . عجوبة هي ريف معتوق ، فالقادمون إلى السوق يبيتون في عجوبة ليكونوا قريبين من السوق عند صبحه ، وهي بمثابة ( كمّل نومك ) للمناقل . والذين يودعون السوق ويخرجون من متأخرين ولا يجدون سبيلا للسفر يبيتون في عجوبة . والمدّاح يأتون لإقامة حلقات المديح في نهار السوق ثم يمضون ليلتهم في عجوبة .
وفي عجوبة لا يوجد غرباء ، الناس كلهم أهل ، والماهم قراب قربم العمل . وفي بداية الستينات ضجت عجوبة بالغرباء ، حين بزغ فجر امتداد المناقل ، فجاء إلى عجوبة الأمين مصطفى من أمة تريبات شرق مدني ، وعمل مشرفا ومشغلا لوابور الماء ، وعاش في ديوان عمنا ود القصير برفقة جدنا بابكر ود محمد ود محمد زين ، وشكلا ثنائيا طريفا عذبا ، وكانا يهتمان اهتماما واضحا بنظافة الديوان ، ويحضران نشرات الأخبار في الرايو وحقيبة الفن صباح الجمعة ، حتى أن أحد الغرباء انضم إليهم وهو من غرب السودان ، وكان يظن أن أغاني الحقيبة ما هي إلا مدائح نبوية ، فكان يهتز ويكرر الصلاة على النبي . وكانت عمتنا آمنة بت عبد السيد هي التي تقوم على الضيافة في الديوان العامر ، خاصة وأنه ينضم إليهم في المساء السواقين والمساعدية .
وفي ديوان أولاد قاسم جاء نفر من الجزيرة القدّامية من أهلهم ناس ود ربيعة ، وشلعوها الجعليين ومهلة والطلحة ، منهم أحمد ود عبد الجليل ، وأخوه الوسيلة ، وشيخ أبوعاقلة ، وعبد الله ود يوسف ود بخيت ، وابن عمه محمد محمد أحمد ، وأبوعاقلة النجار ، كلهم تملكوا حواشات واستمروا يعمرون الديوان وأمسياته بالأنس لسنوات طويلة .
وجاء عمر الشايقي لديوان جدي حاج محمد علي الخضر ، وعمل معه في الجنينة ، وشهدنا له بحسن الخلق والانتاج ورأينا من أصناف الخضار ما لم نسمع به من قبل .
وفي ديوان جدي حاج محمد سعيد نوار عاش محمد عثمان من نواحي الجزيرة أبا ، وقد كان يعمل مع حبوبة الجاز بت إدريس ود نوار في حواشتها وكان بارا بها بر الإبن بأمه ، ولم تكن تقصر معه ولا ترحم من يخطئ عليه . وعاش الإحيمر الكباشي راعي جدي حاج أحمد ود إدريس ود نوار ، وكان يرعى الضان بكمية كبيرة وينتج عددا من المواليد وكميات من اللبن ، لم نر مثيلا لها حتى اليوم .
وأذكر بركة راعي الماعز ، وهو خفيف الحركة رغم ثقل جسمه يطوف القرية وهو يحمل مواليد الماعز يوزعها على أهلها ويستلم منهم قرشين يسمونها ( حق الصابون ) ، وكان يردد في مسيرته ، بركة داير حركة .
وأمام القرية نشأ حي كامل أطلق عليه حلة الأغراب ، سكنه نفر من الحسانية ، والأحامدة وغيرهم ، لكن يبدو أنهم عاشوا هناك لفترة ورحلوا عائدين لأهلهم في مناطق النيل الأبيض . وأذكر منهم عمنا الطاهر ود القور ، والدبابي ، وموسى . وجاء بعدهم العم إدريس من دارفور ، وانتقل أولاده للخرطوم بعد وفاته .
وكثيرون جاءوا لكنهم لم يتركوا أثرا كبيرا، وعادوا من حيث أتوا طيبي النفوس راضين عن علاقتهم بأهلنا في عجوبة .
وعجوبة الوفرة ، والكرم ، والوفادة ، والريادة . عجوبة المحاطة بالزراعة من كل جانب ، ومن شمالها ترعة التومات وجنوبها ترعة التمد ، وغربها المصرف الكبير ، وعجوبة تعجب ، ومعزومين معانا في كل حين ، وبدون مناسبة .