مع أن المبادرات أصبحت مفروشة على قارعة الطريق، لكنها مؤشر على أن الأمور تسير إلى انفراج، فالسبيل الأول لحل أي مشكلة هو الاعتراف بوجودها، كما أن إحساس الجميع بأن المخاطر لن تستثني أحدا منهم يجعلهم أكثر حرصا على النفاذ من عنق الزجاجة قبل الاختناق داخلها.
الجانب الآخر من الصورة يوضح أن الأزمات لا تحل بحسن النوايا، بل باقتحام المسببات التي تقف وراءها، وبذلك تتحصن المبادرات من تنكّب الطريق.
لقد وقع انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وسعى لاكتساب الشرعية بتسمية نفسه بمسميات التغيير وتصحيح المسار، وقدم برنامجا عاجلا مرتبطا بجدول زمني لمعالجة الاختناقات، ثم لم يلبث أن سقط برنامجه ومسمياته سقوطا اهتزت له أرجاء البلاد.
ثمة حقائق ماثلة الآن لا بد من استصحابها في أي مبادرة، الأولى أن جرائم الانقلابات لا يجب أن تمر مرور الكرام، وأن أقل ما يمكن قبوله حاليا هو ليس الانسحاب العسكري من المشهد السياسي فقط، بل لا بد من اعتذار كبير واعتراف صريح بأن ما حدث هو انقلاب، وأنه كان خطوة خاطئة تقع ضمن زمرة الأخطاء التي وقعت فيها التجربة السياسية السودانية منذ الاستقلال.
الحقيقة الثانية أن الانقسامات التي عصفت بالحرية والتغيير وأخطاء الممارسة السياسية المدنية لا يجب أن تكون خصما على مدنية الدولة، كما لا يجب أن يكون بديلها عودة النظام الهالك أو أشياعه، فالثورة لم تقم إلا ضد ذلك النظام ومناصريه بتعدد أشكالهم وأنواعهم، فضلا عن أن الحرية والتغيير جزء أصيل وفصيل أساسي ضمن فصائل الثورة، وأنها ما زالت فاعلة في المشهد، وحريصة على لملمة أطرافها، بل وقادرة على إرباك أي معادلات تحاول محو دورها ووجودها.
ثالثة الحقائق أن لجان المقاومة هي الرقم الحاسم في قبول أو رفض أي مبادرة، فمفتاح الخروج من الأزمة يمر عبر بوابة الشارع الذي تسيطر على الجزء الأكبر من تفاصيله المشهودة، ولذلك فالمبادرة الذكية هي التي تستطيع استيعاب شعارات الشارع الممثلة لشعارات الثورة وتحيلها لبرنامج عمل صارم خلال الفترة الانتقالية.
الحقيقة الرابعة هي أن الجيش هو فصيل يحظى بكامل الاحترام والتقدير، وأن شعار جيش واحد شعب واحد سيظل موجودا بكل الأوقات، بل إن المدنيين جميعهم هم الداعم الأول والأساس للجيش مالاً وعطاءً وبذلاً للأرواح، لكن وقوف قوى مدنية وراء كل انقلاب هي أيضا حقيقة مؤسفة لا يمكن إنكارها، غير أن (الانقلابيين) ليسوا مجردين من العقل ومعرفة أدوارهم، ولذلك لا يمكن قبول أي عذر منهم أو من غيرهم بأنهم كانوا أداة لتيارات مدنية من أي شاكلة.
كثرة المبادرات مؤشر إيجابي ينبئ عن قرب الانفراج، فلم يعد هناك متسع لمزيد من التأزم، والكل في انتظار مطالع الفجر .. تفاديا لسقوط السقف على رؤوس الجميع.
بكل أسف استاذ شاطرابي سوف يسقط السقف على الجميع كل المؤشرات تقول ذلك