وصلت الخرطوم خامس رمضان وقد فقدت أخي عبد العظيم قبله بنحو شهر ونيف ثم أختي أم الحسن وانا في الطريق للسودان.
درجت خلال كل إجازاتي عبر السنين على المبادرة بالتواصل مع الناس .. العزاء في المفقودين وزيارة سادتنا كبار السن .. والجيران طبقا للعشرة.
هذه المرة كان الوضع مختلفا فقد سارع الناس مشكورين بزيارتي وتعزيتي في الخرطوم وفي البلد وفي زيارتي السريعتين لدنقلا وعطبرة.
وفي العيدين تفضل كثيرون بالزيارة ثانية وثالثة للتخفيف عنا جوزيوا خيرا .. تعظيم سلام.
لكن بقي بعض الناس دون إبداء الشعور وإسداء الواجب.
لما ذكرت من ظروف لم أخرج لمناسبات أو زيارات إلا في ” الشديد القوي” التي لم تتعد تعداد الأصابع.
وفي تلك المرات النادرة اندفع الناس حولي لمؤازرتي وقد صادفوني!!
رغم هذا لم أعاتب شخصا على التخلف عن الواجب عدا أخي العزيز مصطفى عمر لما يربطني به من علائق متينة مديدة خاصة ولكن ما ساقه من عذر كان مقنعا.
أعرف بل أقدر ظروف الناس وعسف المواصلات وتراجع المجاملات منذ كارثة كرونا ولكن لا يمكن أن يقنعني كل ذلك بأنه يمنع حتى اتصال جوالي وذلك أضعف الإيمان خلال 4 أشهر قضيتها بالسودان.
ومن لم يكلف نفسه المشاطرة في فقد أخ وأخت تباعا .. عند العودة من سفر طويل وبلاد بعيدة متى سيجامل؟!
ومع هذا في النفس رجاء فلم أصل ما بلغه أسامة بن منقذ من يأس:
وما أشكو تلون أهل ودي
ولو أجدَتْ شَكَّيتُهم شكوْت
مللت عتابهم ويئست منهم
فما أرجوهم فيمن رجوت
إذا أدمت قوارصهم فؤادي
كظمت على أذاهم وانطويت
ورحت عليهم طلق المحيا
كأني ما سمعت ولا رأيت
أكتب ذلك لا تماديا في اللوم لكن تذكيرا بأهمية التساند الاجتماعي فالحياة لا قيمة لها دون التشارك.
أخشى أن تنحدر روح اللامبالاة الاجتماعية يوما إلى الخيار الصفري. وإن تسربت المجاملات من بين أيدينا تبددت أعظم ثرواتنا التي تميزنا وسط شعوب الدنيا من ماركة ” صنع في السودان “.
ٱمل أن تجمعني الأيام مع الناس في ظروف أكثر ملاءمة عما هي سائدة هذه الأيام الغبراء.
أجمل الظروف اتمناها بل أرجوها للجميع.
استانبول