المائدة أو الطاولة المستديرة، (The Round Table) تعبير اصطلاحي لعملية تفاوض أو تشاور بين مختلفين أو متنازعين بهدف الوصول إلى توافق حول موضوع محدد مسبقًا. يجلس الجميع متجاورين في حلقة مستديرة، دون أدنى تمييز بينهم. يتساوى الجميع في فرص حديثٍ، مضبوطةٍ موضوعًا وزمنًا، تعليقًا أو إبداءً للرأي. الممارسة تعود بأصولها التاريخية إلى أوائل القرن السادس الميلادي، إذا اعتاد الملك آرثر (The King Arthur)، وفقًا لما تقوله الأسطورة، الاجتماع بفرسانه حول طاولة مستديرة، لا تمييز لأيٍ منهم عن الآخر، بما في ذلك الملك. الكل متساوون في الحقوق ويتمتعون بذات الفرص لإبداء الرأي وعرض وجهات النظر، وصولًا إلى أكبر من التوافق. وعُرفت المجموعة باسم “رابطة المائدة المستديرة” (The Round Table Ligament)، وشعارها (العدل والحرب والسلام). وكانت جلسة الانعقاد تشمل تناول الطعام والحوار. المائدة المستديرة، لا رئيس لها، وإنما مجرد “مُيسرٍ” أو “موجه” أو “مُنسق”، تتمثل مهمته في إدارة النقاش بتوزيع الفرص العادلة بين الجميع، وضبط النقاش بحيث لا يحيد عن الموضوع المطروح للبحث. وقد أثبتت التجارب أن جلسات المائدة المستديرة، جيدة الإدارة والإعداد، هي من أكثر أساليب النقاش فعالية، وأفضلها جودة في جمع البيانات الكيفية، والوصول إلى النتائج القيمة، بما يُمكن من الوصول لمشتركات ومخرجات موضوعية تعزز ثقافة العمل المُشترك، حلًا للمشكلات، وفضًا للنزاعات، واحتواءً للأزمات وتحقيقًا للهدف أو الأهداف المنشودة. نجاح جلسات المائدة المستديرة يتطلب توفر بعض الشروط، من أهمها:
تحديد الموضوع بوضوح.
التوافق على الرؤية، بتحديد الهدف أو الأهداف المرجوة من النقاش (اجماع).
التحديد اللغوي الواضح للمصطلحات والمفاهيم ذات العلاقة بالموضوع، تفاديًا لسوء الفهم.
التوافق على “مُيسر”، يرتضيه الجميع، يتميز بالتجرد والنزاهة والموضوعية والحيادية. وتتمثل مهمته في إدارة دفّة الحوارات والمناقشات والمفاوضات، وتشجيع الأطراف على التعاون المشترك، للوصول إلى أفضل النتائج ذات المنظور الوطني العقلاني المتوازن، من خلال التركيز على القضايا المطروحة، والمحافظة على بناء المفاهيم الوطنية، والتساوي بين جميع الأعضاء في التعبير وشرح وجهات النظر واحترام الأطر الثقافية والمرجعية لكل عضو.
تحديد الجهات المشاركة.
ممثل واحد لكل جهة، كامل التفويض، من المشهود لهم بالتعقل والشجاعة والتجرد والنزاهة والشفافية.
الاتفاق على عدد الجلسات، والجدول الزمني لكل منها، والموضوعات التي ستناقشها.
اختيار مكان ملائم لانعقاد الجلسات.
اعداد لائحة لإدارة الجلسات وتنظيم النقاش (احترام الآراء، عدم المقاطعة، التركيز على الأفكار لا الأشخاص، اغلاق الهواتف…).
تخصيص وقت للمشاركين لبناء علاقات فيما بينهم.
تسجيل وتدوين النقاشات للاستفادة منها في التحليل وكتابة التقرير.
اختيار فريق سكرتارية عالي الكفاءة مع قدرات عالية في التلخيص وكتابة التقارير.
تحليل نتائج النقاش، وإصدار بيان بنتائج وتوصيات نقاش المائدة المستديرة. ومن أشهر مؤتمرات الطاولة المستديرة، الطاولات الثلاث التي استضافتها لندن بين عام 1930م و1932م لبحث مستقبل الهند، وطاولة (لاهاي عام 1931) بين الحكومة الهولندية والوطنيين الإندونيسيين للبحث في استقلال إندونيسيا، وطاولة (لندن 1939) التي انعقدت بين مندوبي مصر والعراق والأردن والسعودية واليمن، ومندوبين بريطانيين لمناقشة القضية الفلسطينية، وطاولة (بروكسل عام 1960) بين الحكومة البلجيكية وزعماء الكونغو وانتهت باستقلال (الكونغو كينشاسا) التي كانت تسمى حينذاك (زائير). ومن أشهر مؤتمرات المائدة المستديرة على المستوى السوداني “مؤتمر المائدة المستديرة 1965″، الذي انعقد في الفترة من 16-29 مارس 1965 بهدف مناقشة العلاقات الدستورية بين السودان وجنوب السودان، واختلف الجنوبيون داخل المؤتمر إلى ثلاثة أقسام، قسم مطالب بالوحدة، وآخر بالانفصال، وثالث طالب بالحكم الذاتي في إطار سودان موحد فدرالي، وكلف المؤتمر لجنة ببحث المستقبل السياسي للسودان، ولكن حكومة سر الختم الخليفة استقالت قبل أن ترفع اللجنة توصياتها.