في الوقت الذي يتصارع فيه المتصارعون ويتنافس المتنافسون على نيل المكاسب بالتجني والأذى على الدولة بحثاً عن الغنائم والامتيازات والاخلاص الأعمى في السير على طريق سرقة الريع الاقتصادي كعادة تاريخية مزمنة، لا تعدو الدولة المستهدفة المحفظة للمال العام المنهوب المحلوب من جيوب شعوب السودان المغلوبة، ومن تضاعيف ومضاعفات جهودهم الإنتاجية المهدرة سوى ان تمثل واقع التلاشي والفراغ المرعب المخيف .
فالدولة ومنذ الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ لم تعد الشركة والشراكة العامة الافتراضية لكافة مواطنات ومواطني السودان بكل تنوعهم وتعددهم. ورغم مصداقية الشكوك في أنها ومنذ الاستقلال كانت على تمام وقابلية للعب دور نزيه وعادل ينصف كافة شعوب السودان بحقوقهم إلا أنها غدت الشركة الأمنية الاقتصادية الخاصة والمنخفض الحضاري والأخلاقي لحفنة من من الأرزقية واللصوص بقيادات مخادعة وتحت مظلات كل من احترف مهنة التغول على أموال الشعب باسم تنمية وحماية الدين، أو العقيدة الاسلامية، حتى إذا ما اكتملت مرحلة المتاجرة المتوحشة بها لتنتقل الى مرحلة حكم اللصوصية المستبد الصريح الراعي والمنتج لشتى اشكال وانواع الجريمة المنظمة وإطلاق يد العصابات ورجالاتها المفتوحي الشهية والشهوات للحكم والنهب بحقد وسوء طوية بتخصيص أنشطتهم على المراكز الحضرية والانتقام بصفة خاصة من العاصمة الخرطوم وسكانها بما تنوعت عليه مصادرهم.
من يفعلون ذلك ليسوا وحدهم، ولا يعملون فرادى منفصلين، بل عبر هيئات ومنظمات وقوى دولية وإقليمية، وبتشجيع وحماية مقننه ومشرعنة من مؤسسات العنف السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا للتمهيد لانفراد العسكر بالسلطة وحض المواطن على شراء أمنه بقوته أو إجراء المساومة اللئيمة المؤلمة ببيع موقفه السياسي، ولكن بألا يكون هنالك سودان أبداً كما أحبه وعرفه واتصل بقيمه وقدسية صورته الناس وعملوا كل حسب قدرته على تسويقها وغنوا لها بأجمل الامنيات وصدحوا من أعلى الأشجار.
المعركة الحيوية، والمواجهة الراهنة يا سادتي الآن تكمن فقط في إحسان التخلص من حسن النوايا السياسية بالتخلص من عقل سياسي طيب قديم في تفسير الواقع. اإن ما يحدث من خلع وتخليع لأركان ما تبقى يعني اعتماد الجميع أن هنالك دولة منتهية الصلاحية، وأن ثمة ضرورة عظمى لاعتماد عقل سياسي جديد يعتمد التفكير العلمي ويحترم نتائج العلم النقدية بالاستناد على وعى عملي وطني مستحدث، ومواكب يستوجب وقوف الجميع على أخماص أقدامهم أولاً ومن ثم الإخلاص في صناعة تضامن وطني جديد. غير أن التضامن الوطني الجديد لن يتم دون إطلاق ديمقراطية الحوار واحترام الأفكار الجديدة ومقارعة الافكار بالافكار وليس التوحش ومحاولة القضاء على الاخر بالاغتيال المعنوي واستخدام السوشيال ميديا لنشر الأكاذيب والأخبار الزائفة كما تفعل شركة فاغنر حالياً. فعندما يستوى ويتساوى فعل المواطنين الراغبين في سودان جديد مع أفعال شركة فاغنر لصناعة الفتن والخلافات واذاعة الصراعات في الواجهة وعلى العلن يصبح على السودان السلام.
دعونا نصطف بأن نعطي التضامن فرصة جديدة، ففي ذلك فقط سنربح جميعاً، وينهض الربح العام والفائدة المتوخاة من اجتماعنا العظيم كأحياء بهذه الحياة على أرض عظيمة لم نفلحلها، ولم نعطها حقها كما يجب؛ بسبب الفرقة والتكالب على الفراغ، وما نشهده من عاقبته حتى الآن.
wagdik@yahoo.com