التوصيات الأساسية لمؤتمر المائدة المستديرة لمبادرة المؤتمر الوطني – كما جاء في نصوصها – هي “إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين” و”الرجوع لمنهجنا الإسلامي والسوداني في التعامل مع كل قضايانا خاصة النزاعات والسلام وغيرها استجابة لامر الله جل وعلا” و”مراجعة كل ما قامت به لجنة إزالة التمكين” و”أن يكون أمد الفترة الإنتقالية 18 شهراً، على ان تجرى الإنتخابات الحرة والنزيهة قبل نهاية الفترة الانتقالية” و”منع الإقصاء لاي سبب وأن ينص عليه في كل القوانين والاتفاقيات” و”العودة الى دستور 2005″. هذه التوصيات التي حبكت عبر مائدة اللئام تمثل تقنينا جديدا واضحا برعاية البرهان لعودة المؤتمر الوطني للسلطة، وبالتواطؤ مع الحركات المسلحة، والانتهازيين من القادة السياسيين. وأبسط تفسير لهذه التوصيات هو انها تعني إطلاق سراح البشير وزملائه، والعودة لمرجعية “المشروع الحضاري” الإسلاموية، ورد أموال الحركة الإسلامية، وإعادة نشاط الموتمر الوطني ليهيمن على البلد مرة أخرى عبر الانتخابات المخجوجة. لقد ضحكت بلا هوادة لهذه المسرحية السمجة، وشر البلية ما يضحك. ذلك لأنني وجدت جماعتنا “الأذكياء جدا” عملوها واضحة كما قال الراحل عوض دكام. إذ ظهرت الخديعة عارية في توصيات هذه المبادرة الهزلية التي كان في مقدمة ركبها الجد، ووراء الكواليس إنما الحركة الإسلامية، قطاع المؤتمر الوطني، وهناك جماعة نيام، وبلال، وأبو قردة، وحفيدا السيد عبد الرحمن، وودعة، ولمحت أحمد سعد عمر أيضاً، هههههه.. دنيا، وأرجو ألا انسى الست إشراقة!! الثابت مما جرى بعد هذه المبادرة التدليسية أن الإخوان المسلمين – وخدامهم – من كل جنس بحاجة إلى التواضع على حقيقة أن فهوم الناس تغيرت، وأن الوعي انتظم صفوفهم، بل إن كل شخص صار منتجا للوعي بصوته كيفما شاء، وبكل ما اتفق. فالتوصيات التي نشرتها وكالة سونا أكدت أن هناك إما خللا بينا في تفكير الإخوان لضعف تحليلهم الصحيح لمسببات ثورة ديسمبر، وإما أن الإخوان والأخوات، يدركون مسببات وأهداف الثورة، وبالتالي يتصورون مجرد تصور عفوي، أو مخبول، بأن هناك إمكانية لاستخدام الكذب مرة أخرى لعودة التنظيم بقناني فضية هذه المرة. والكذب هو رأسمال الإسلامويين – إلا من أبى، وهم قليلون عددا. فبعد تفكر، وتدبر، بعد انقلاب البرهان تنفست الحركة الإسلامية الصعداء، واستفادت من المناخ، وأعادت عبر قضائها كوادرها في مجمل مؤسسات الدولة. وكذلك استردت أموالها التي نهبتها من الشعب، وشركاتها كذلك، ونشطت كوادرها في الإعلام الرسمي، والخاص. ولما لاحت السانحة المناسبة للانقضاض على إرث ثورة ديسمبر المجيدة، دبر الإخوان المتخفون خلف المبادرة التي دعمها البرهان، وجماعته، ثم حُشد لها كل أنواع التذاكي على الناس لنتوفر من بعد على مسرحية سيئة الإخراج. كان الممثلون فيها لا يملكون المكياج الذي يظهر ملامح وجه الممثل الحكيم، ولم يستلفوا صوت الشيخ الحنين حتى يستلبنا سحر العرض الذي قُدم في قاعة الصداقة، وأماكن أخرى من العاصمة. ولما خرج المبادرون الأصليون اليوم بتوصياتهم للناس أدركنا حقيقة عزمهم على العودة للسلطة لاستئناف مشروعهم بتوصيات تمثل مرجعية سياسية جديدة لقطع الطريق أمام عودة الحكم المدني الذي انقض عليه البرهان. ولكن الذي غاب عن أصحاب المبادرة المتخفين في جحورهم في الداخل، وحول العالم، أن الشعب السوداني سيسقيهم كأس تآمرهم مرة ثانية، وأن شباب السودان الذي مرغ أنف الحركة الإسلامية في التراب لقادر على مجابهة تآمرهم الجديد هذه المرة بذات الصمود، والجسارة، والإقدام. من حيث كيمياء الأسلوب الذي به كتبت، فإن كل توصية من التوصيات التي خرج بها المؤتمرون لها جذور في القاموس اللغوي للحركة الإسلامية. أما ما بين سطورها فإن التوصيات تتناص مع اللغة اللولبية لعراب المشروع الحضاري، حيث توضع العبارات الفضفاضة التي تخفي الوضوح في الفكرة محل الإبلاغ. وهكذا حققت كثير من التوصيات توأمة مع أدبيات ومقولات لاكها الإسلاميون حتى صارت ممجوجة، ولهذا تجد في توصيات المبادرة عبارات الاتجاه الإسلامي بكل مرجعياتها الفقهية التي تعبر عن إقصائيتها، واستبدايتها، ودمويتها، وكل المثالب التي خبرها شعبنا في عقود حكمهم الثلاثة. لقد خلت بطبيعة الحال توصيات مائدتهم المستديرة تماما من الإشارة إلى ثورة ديسمبر كمرجعية لأهل السودان، وإلى ضرورة تحقيق العدالة إزاء جرائم نظام الحركة الإسلامية في المركز والهامش، وإلى الفساد الذي كشفته لجنة إزالة التمكين التي تم حلها. ولا يوجد ذكر وسط سطور الوثيقة الإخوانية للاغتيالات التي صاحبت حراك الثورة منذ 2018، ولا ذكر لمحاكمة الذي فضوا الاعتصام، ولا ذكر للشهداء الذين مهروا دماءهم بعد انقلاب البرهان، ولا يوجد كبير انشغال لأعضاء الموتمر للتداول حول المفقودين وتضمين نص يقدر نضالهم للبحث عنهم. إذن كيف يمكن أن تمثل هذه توصيات أهل السودان للوفاق الوطني وهي لما تعجز عن الحديث عن ثورتهم المشهدية التي هزمت مشروع الإخوان، وطالبت بالحرية، والسلام، والعدالة؟ إنها مبادرة أهل الحركة الإسلامية التي استخدمت حيلة مكشوفة للضحك على الشعب السوداني، حيث من خلالها ينوي المستبدون العودة مرة أخرى لسرقة موارد البلاد، وقهر الناس، وإفساد الدولة، وتمزيق النسيج الاجتماعي المتسامح، وشن الحروب الجهادية، وارتكاب جرائم الحرب والإبادة، وإدخال البلاد في محاور إقليمية، ودولية، وإقصاء الكفاءات من الخدمة المدنية، واستئناف تهجير السودانيين للخارج، وجلد النساء، وتزوير الانتخابات، ولكن هيهات. لقد انهزم مشروع الحركة الإسلامية الاستبدادي عبر ثورة خلاقة شهد لها العالم بمشهديتها، ولن ينجح الإسلاميون في مواصلة خديعة شعبنا مهما وجدوا الحماية من البرهان، وبعض الأطراف في المحيطات الإقليمية، والقارية، والخارجية. وستخرج عليهم – عاجلاً أو آجلا- ذات الجموع التي أنهت سلطتهم مرة أخرى لتحرير البلاد بشكل جوهري مهما طالت السنوات للوصول إلى فجر الخلاص.