هنالك معركة طاحنة تدور في غير معترك حول الدستور الانتقالي، للدرجة التي جعلت الوصول إلى اتفاق بين لجان المقاومة على ميثاق واحد متعذر، والوصول إلى اتفاق بين الاحزاب السياسية الثورية على اعلان دستوري واحد متعذر كذلك.
الاستقطاب الذي تعاني منه قضية الدستور الانتقالي حول القضية من قضية دستور يراد به احداث استقرار انتقالي إلى صراع ايدولوجي وفكري عطل الوحدة الثورية وقاد إلى تأخير إسقاط الانقلاب.
الدستور الانتقالي يراد منه ان يحكم الفترة الانتقالية فقط، وبالتالي هو وثيقة مؤقتة قد تستمر لمدة عام او اثنين او ثلاث، وبما ان الفترة الانتقالية مفتوحة لجميع السودانيين ما عدا المؤتمر الوطني، فان هذه الوثيقة يجب أن تكون وثيقة عامة توفر الحد الادنى من التوافق ولا يجب أن يتم حشوها بأي مفردات ذات محمولات فكرية وايدولوجية مختلف عليها.
في عالم اليوم اصبحت الحدود الدنيا التوافقية بين ابناء الوطن ذات قيمة مرتفعة، فقيم الحرية العامة مثلا متفق عليها، وقيم العدالة كذلك، ووجود وثيقة الحقوق لوحدها هي أقصى ما يمكن ان توفره الدساتير من حريات وعدالة.
الدستور ليس نصا جامدا تقترحه النخب وتفرضه السلطة بالكرباج، وانما هو روح الثقافة والقيم العامة لدى الجماهير، وهو بناءا على ذلك قد يتم التعديل عليه عبر السنوات لمواكبة التغييرات في الثقافة والقيم العامة. الدستور الأمريكي مثلا أجريت عليه تعديلات متعددة هامة جدا مع مرور السنوات مثل تعديل الغاء الرق وتعديل منح المراة حق الانتخاب ومنح السود حق الانتخاب والخ، وجميعها تعديلات تطورت مع تطور الأمة نفسها وقيمها، لذلك مهما كان شكل ومحتوى الدستور الحالي فهو في نهاية الأمر سيتعدل مع الايام ليصبح اقوى وأكثر تلبية لثقافة الأمة.
كما إن بعض بنود الدستور قد تكون راسخة في الضمير والوجدان ولا تكن هناك حاجة لاثباتها بالنصوص في الوثيقة الدستورية، فدستور بريطانيا مثلا غير مدون في وثيقة واحدة اسمها دستور المملكة المتحدة، وانما هناك أحكام عامة في عدد من الجهات، وهناك نصوص دستورية فعالة في السياسة والحكم والمجتمع لا يوجد لها نص من الاساس، تحولت إلى واقع دستوري نتيجة خروجها من صلب وجدان الأمة.
لذلك اتمنى ان يتجاوز الجميع هذا الصراع غير المفيد حول النصوص الجامدة ذات الخلفية الفكرية المتزمتة والاتفاق حول الأفكار العامة للدستور سواء الحالي المؤقت او الدستور الدائم القادم، وليتركوا للزمن ووجدان الأمة مهمة ترسيخ قيم الدستور وممارساته.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com
التوافق هذه المره من أجل الوطن المنكوب……(بلاش اجنده)