اتسم الوجيه سعد الدين عشري رئيس العاملين في القصر الملكي السعودي وهو سوداني سعودي بالطيبة واللطف والكرم وخدمة كل من يقصده وما أكثرهم.
كان سعد الدين يحكي في ساعات الصفاء لخاصته قصصا مترعة بالفرادة والدهشة عاصرها خلال عمله منها أن قرويا جاء من السودان حديثا التحق بالخدمة في القصر.
بعد أيام من عمله طلب منه تقديم مشروب للملك وجلسائه.
دخل العامل في أول مهمة كبيرة يحمل صينية بها أكواب المشروب وقدمها لمن صادفهم بالدور غير أنه فوجئ بأنهم جميعا امتنعوا عن تناوله بصده بمد أيديهم الرافضة.
أخيرا وضع الصينية على التربيزة والتفت إليهم وهو خارج قائلا ببراءة ونقاء طوية:
ما دمتم مش عايزين الحين
أهو قدامكم ال عايز يشرب
ومضى في طريقه غير ٱبه
هنا ضحك الملك من قلبه وحين انفض ضيوفه استدعى سعد الدين وحدثه عما بدر من العامل فالتقليد أن يقدم الشيء للملك أولا ثم لمن يليه تباعا فاعتذر سعد الدين بأن العامل قروي حديث عهد بالعمل وفاته أسلوب التقديم.
هنا فاجأه الملك قائلا:
هذا الإنسان البسيط حسن النية من يصلح معي.
أريده في خدمتي الشخصية من غد.
من خلال تلقائيته وبساطته أحبه الملك وقربه إليه وأغدق عليه فامتلأ جيبه وارتفع بنيانه.
رحم الله الملك الإنسان فهد
ورحم الشهم سعد الدين
هكذا الدنيا حظوظ ..
تتبسم لبعضنا دون توقع وتبتئس لبعضنا مكشرة أنيابها دون مسوغ.
من جهة أخرى عرف الملك حسين في الأردن بتواضعه الجم وحسن تعامله وتبسطه مع العمال الذين يخدمون في القصر.
ويتخير الملوك في عمالهم المقربين عادة أولئك المنتمين لأقوام خبروهم عبر السنين واشتهروا بالأمانة والإخلاص والوفاء.
وقد حكى لي الحبيب ٱدم عثمان المقرب منه كثيرا من مواقفه النبيلة عرضت قبسا منها في مقالي بعنوان
الملك ٱدم عثمان .. مرافق الملك
المنشور في صفحتي أشواط العمر في فيس
أما الملك حسين نفسه فحكى ذات مرة أنه كان جالسا مع بعض ضيوفه وكان معتادا تناوله صنفا معينا من الماء فطلبه فجاء العامل السوداني يحمل ماء مغايرا ولما تردد الملك في تناوله قال له العامل بصوت خفيض:.
رجاء اشربه سريع
انا أخطأت ولو عدت به سيعاقبني رئيسي المتابع من بعيد!
فتناوله الملك بطيبته وعاد لمجلسه منشرحا يحكي لجلسائه المفارقة المضحكة!
حقا من بين الحكام ملوك في سمو الطبع والخلق مثل الاتصاف بقيم التسامح والتواضع المتصل بنكران الذات.