يتملكنا الرعب سيدي كل لحظة ينظر فيها رجل الشرطة ناحيتنا، فنشرع في تحسس انفسنا و قلوبنا، نخاف عيادة الطبيب فليس احب الى نفسه من أن تطأ اقدامنا عتبة عيادته نترنح أعياءً، ولا أطيب الى نفسه من ان يبشرك بالأخبار المقبضة، ليبعثك الى كل اصدقائه بكل تخصصاتهم يقتسم معهم غنيمة التأمينات ، فان شكوت من أذنيك، فحصوا اقدامك، و ان تعذر عليهم التشخيص، أسموه (مرض نادر)، و اعطوه اسماً معقداً، ثم يظل طبيبك يبحث و ينقب و يسيء الظن بكل الفحوصات التي اخذت نصف عمرك، ويودعك حتى اعتاب المخرج مصحوباً بامنيات شركات العقارات و الأدوية، بان تصاب بالأوبئة و الفيروسات حتي لا تسد ابوابها. نخاف ايداع ابنائنا في مدارسكم و تخطيطها الذي يشبه تخطيط السجون الفدرالية، و سجون الولاية، و اصلاحيات المقاطعة، فكأنما تدربون حواسهم و تهيئونهم لها في مستقبل حياتهم، و حتي لا يشعرون بغربة داخلها، دهاليز و ممرات ضيقة ، مبان مثل قصور التيه. نخاف قيادة سياراتنا في طرقاتكم، فنصبح هدفاً للشرطة المنبثة، يتحينون الفرص للتلذذ العميق بالقبض علينا، و الأستمتاع بفضائل راداراتهم الحديثة، حتي يصيبهم سرطان الخصي فيستبدلون بغيرهم، و نحن بينهم و بين مواطنيكم المتسابقين في الطرقات، أن لم نطعهم بالأسراع سبونا، و أن أطعناهم بئنا بالخسران ودفعنا ما لا تقدر امكانياتنا المحدودة على ألاتيان به عقوبات الغرامة. نخاف من فتح صناديق البريد، فهي لا تجيء بمفاجآت سارة معظم الأحيان أو رسائل تحمل في طياتها سلامة أو رومانسية حالمة، و لكنها تأتي بمفاجآت أسمها الفواتير، و العقوبات و الغرامات، و متأخرات السداد بارباحها الربوية الباهظة، و رسائل رسمية جافة عبوس، و اعلانات كاذبة مضللة، عن فرص ووعود اشد كذبا و تضليلا، منصوبة مثل الشراك على ورق ملون صقيل، نخاف أن لم نجد عملاً، أن نموت من الجوع، و نخاف ان وجدناه، أن نشهد على استغلالنا، وأن نهئ انفسنا ليوم الفصل، نخاف أن نغضب رئيسنا في العمل السابق ، حتي لا يكتب تقريراًسيئاً عنا، يحرمنا من العمل في اي وظيفة في المستقبل، نكتم غيظنا حتي نعيش. سيدي القاضي و السادة المحلفين، نحن نخاف من أسمائنا، نعم نخاف منها، اسماؤنا يا أعزائي تجلب علينا النقمة، و المحن و الكوارث، ذلك لأنها تكتب من اليمين الى اليسار، و لأنها تشبه اسماء أناس لا تحبونهم كثيراً هنا، و لأنها تذكركم بهم، و بدعواتهم عليكم بالموت عقب كل صلاة من صلواتهم الكثيرة. التجأنا الى ارضكم يا سيدي، هرباً من حصار الفقر، فدخلنا في حصار الحصار، افعل، لا تفعل، أمش، لا تمش، استدر، ولَ وجهك الحائط، قم، ادخل، حقق، بصماتك، هنا، و هنا و هناك، لا تأخذ، أدفعو اجبات و دروس و عبر، و متغيرات متناقضات لا حد لها. سترفع الجلسة في تلك اللحظة، لحلول زمن الغداء، و ستنهض (كارلوتا) من رقدتها الأبدية تتمطى، و تسأل عن الساعة، ستحدثني و لعابها يسيل عن مطعم في الجوار، اسعد نبأ في رحلتها الى هذا الجانب من المدينة، أما اسعد نبأ بالنسبة لي، فهو أنني سأستطيع أن أضع (سفة) كبيرة من التمباك، أوقف بها هذا الطنين الذي يكاد يعصف بعقلي، سأقول لها بأنني غير راغب في الأكل، و قبيل أن تنصرف تجرها معدتها المهولة جراً، قالت لي، ما هذه الهرطقة التي سمعتك تتلوها على الناس قبل قليل؟؟ أتظن أن أحداً سيشفق على حالك ايها الوافد قليل الحيلة، أم أنك تود نكاح التعديل الاول لدستور هذه البلاد؟؟، ثم مصمصت شفتيها بصوت صدر من بين اسنانها، كعادة النساء السود، و مضت لا تلوي على شئ، و كأنها لم تكن تغط في نوم عميق، قبيل دقائق معدودة، لعنتها في سري، ووصفتها بالمرأة التي تتقاضي أجراً عن النكاح، زمن طويل مضى لم استخدم فيه تلك الكلمة الكلاسيكية، التي يعرفها العرب من المحيط الى الخليج، فابتسمت. في ردهات المبنى الفيدرالي، و أنا أتجول و فمي محشو بالتمباك، طفقت أقرأ في قوائم أسماء المجرمين، دافعت وسط المتجمهرين، لأجد اسمي بارزا حسب موقعه من الأبجدية، تحت قائمة الوجبة الأولى، حمدت الله على أن لا أحد من معارفي، أو اصدقائي جاء معي في هذا اليوم المشؤم، أذن لأمتلأت الرسائل الألكترونية، و المهاتفات، و منابر الحوار الحر بالخبر، و لزاد الناس عليه، ذكرعلاقتي الآثمة بملكة الأنجليز، و لسوف تغيرت صفتي من الاستاذ (محمود)، الى السيد مجرم، تراجعت و أنا اشعر بحزن عميق، من خيبة هذه الصفة الجديدة، أخذت مقعدي بين الناس، يتلاغطون حتي اللحظة التي دوت فيها المطرقة، فسكتوا جميعاً عن الكلام المباح. كل هذا الوقت و أنا أتفادى النظر الى الجهة التي يفترض أن السيدة (سميث) جالسة فيها، كل هذا الوقت وأنا أطمح في صحوة من ضميرها، تمنيت منها أن تقف في شجاعة و ثبات، وأن تجهش في البكاء مطالبة القاضي و هيئة المحلفين باسقاط التهم عني، وأن تلقي بنفسها على صدري، مطالبه أخاها الأفريقي الأسود بالصفح عنها، و أن تطمئنني بأن كل هذا الأمر لم يكن سوى مؤامرة دنيئة، دسها الرجل الأبيض، وهو المدعي العام تحديداً، هذا الذي يقف هنالك بوجهه المقيت، كم أكره هذا الرجل، أنظر كيف يؤجل في قضيتي حتي قضى على كل ما لدي من رباطة جأش، فكانما الذي بيني و بينه دين أو ثأر في حياة سابقة، تمنيت أن نرفع قبضاتنا بعد ذلك المشهد في الهواء من فرح، و أن ننشد معاً نشيد حركة الحقوق المدنية (We shall overcome)، وأن نرفع و الحاضرين أيدينا بالدعاء بحياة الوحدة الأفريقية-الأفرومريكية، سأعفو عنها و عيناي مبللتين بالدموع، سأذكرها بأنها نسيت بعض اغراضها في منزلي، و أنني أحتفظ بها سليمة، ستحمد لى أمانتي، ستقول لي: كم أنت ساحرذو حضارة و جذور، ثم أن الناس سيودعوننا يهزون رؤوسهم تعجباً، و سيقول القاضي بأن أعجب من ذلك لم يصادفه، طوال سني خدمته، و قد يأمر بحبس المدعي العام على ذمة التحقيق…و هنا دقت المطرقة، فانتبهت الى وجودي، ستجلس ماري سميث، شئت أنا أم أبيت، مثل ملكة متوجة، يحيط بها محاميها، و بعض الشهود، حالمة بتعويض مالي، ستحلم بعربة جديدة عوضاً عن (السنترا) الصغيرة المتهالكة العجوز، و أجازة في جزر الكاريبي مع صديقها الجديد، أو تذهب بمفردها فيحدث لها ما حدث للكاتبة الشهيرة، و التي التقت بالفتى الجاميكي شديد المراس، الذي أعاد صياغة انوثتها، فعادت به الى أمريكا لتحدث الناس عن معجزاته، وقد تفرح وقد لا تفرح، اذا حكم القاضي بحبسي، ستكذب ماري في سبيل الحصول على تعويض، ستذرف الدمع، ستتحدث بلهجة الجنوب الأمريكي، مؤكدة على اصالتها، فتستثير بذلك عطف الناس، و توقظ ضمائرهم المثقلة بالذنوب تجاه ما ما ارتكبوه من قهر واضطهاد لأسلافها، سوف يتعاطف الجميع معها، و ستعوضها المحكمة الموقرة بالحكم لصالحها، عن كل سنوات الكدح المجاني في مزارع القطن و التبغ، عن الشنق على فروع الأشجار و الحرق بعد ذلك، السحل و الأحتقار، سيرد لها الرجل الأبيض بعض دين خصما على حياتي، وقد تستخدم ماري بعضاً من فهمها الخاطئ لطبيعة الأشياء، فتحدث المحكمة بأنني سوداني شمالي مسلم، أقتل الناس في دارفور و في الجنوب دون رحمة، و أن في داخلي يختبئ عربي، لا يتورع عن نزع فتيل قنبلة في وسطه، يقضي بها على كل الحاضرين هنا و الآن، فيصيح الناس من جزع…أوووووووو. ستتحول ماري الى مدافع ناشط عن حق الأمريكيون في العيش، و طرد كل هؤلاء الغوغاء من بلادنا العظيمة، ستسأجرها قناة (فوكس)، لتكمل بها حلقة أخبارها الكاذبة الشريرة، سوف أسد أذني عن سماع مرافعتها، و محاميها الأبيض العجوز، الحالم بالنعيم، يقلب في أوراقه بحثاً عن مزيد من اسلحة الدمار بحياد و مهنية عالية. Painting by: Larry Poncho Brown