لم تصدق عيناي ما رأيت، فكل ما كنت أعرفه وأنا ابن السادسة، أن وظيفة الجرادة في هذه الدنيا هي أن نلهو بها، وأن نجردها من القدرة على الطيران، ثم نلعب بأرجلها بعد خلعها لعبة (الفكي صلي)!!
في تلك الأيام من الإجازة، وكنا قد وصلنا لبلدتنا الريفية بصحبة الأسرة .. فاضت جوانحي بالدهشة وأنا أرى المزارع والأشجار الكثيفة في جانب من الصورة، ثم المحيط الرملي الكثيف في الجانب الآخر من المشهد العجيب.
كل شيء كان يدعو للاستكشاف. زريبة الأغنام التي تنوّع ساكنوها بين النعاج والماعز، و”الطرمبة” المتصلة بالبئر التي كانت ترشح ما في القاع بالطاقة العضلية الدافعة صعودا وهبوطا، وكذلك السقيا (بالجوز) حيث يأتي الساقي بالماء من النهر لمن لا يملكون الطرمبة أو تنأى منازلهم عنها، حاملا على كتفيه صفيحتين متوزعتين على يمناه ويسراه، ثم الفوانيس التي تعمل بالجاز وتضاء ليلا في الغرف وأنحاء الحوش.
وسط هذا العالم المزدحم بمحفزات الاستكشاف، توقف طفل المدينة، الذي أسعدته المدن وأشقته، داخل (التكل) حيث صاج الكسرة والقراصة، متوقعا رؤية أي شيء يمكن أن يثير الفضول .. عدا أن أجد إحدى النساء منكبة على شواء الجراد !!
منظر صادم وشديد الغرابة لم أتخيله يوما!
ماذا تفعل تلك المجنونة ؟!
ضحك الكبار لدهشتي، فقد كانوا يوفرون لي دهشة أكبر، وهي التهامهم لذلك الجراد عن بكرة أبيه بعد الشواء، في تلذذ وأنس!
اليوم قرأت في بعض الأخبار إن الكوريين قد واصلوا فكرة إدخال الدود في الغذاء، نعم الدود، باعتباره مصدرا جيدا للبروتين، وأنهم كما يبدو، مقتربون من تصنيع الأغذية الدودية .. لإسكات الأفواه والبطون المهددة بنقص كبير قادم في مجال الغذاء.
الجفاف يضرب أوروبا، والسيول تكتسح الأراضي الزراعية في آسيا وإفريقيا، والناس يتناسلون ويأتون للدنيا بالمزيد من الأفواه، والمزارعون يهجرون الفلاحة لمهن أخرى، ولا تلوح منجاة من كارثة المجاعة سوى بالاتجاه المذعور لكل البدائل بما فيها الدود.
لم آكل الجراد، رغم محبتي لكل آكلي الجراد في العالم، كما لا أتصور أن يكون خياري في يوم من الأيام هو هامبورغر الدود، أو أقاشي الديدان، وأزعم أن الأغلبية سيفعلون مثلي، مع كل الاحترام والتقدير لجميع من سيجدون متعة ورغبة في هذا الاتجاه.
نعم .. الأيام كدأبها حبلى بالمتغيرات الكبرى.
وعذرا لأمم الدود والجراد في مشارق الأرض ومغاربها!!