بكل أسف تعثرت خطى ثورة ديسمبر 2018م منذ الوهلة الأولى وانهارت وسقطت تماماً في 25 أكتوبر 2021 بانقلاب كامل الدسم قضى على جهود صانعي الثورة الحقيقيين وهم كل أعضاء تجمع المهنيين السودانيين، الذي بدأ خطوات ثورة ديسمبر 2018م في ثورة سبتمبر 2013م التي استشهد فيها المئات من الشباب.. ثورة سبتمبر لم يكتب لها النجاح بسبب القوة المفرطة غير المسبوقة من فرق عمليات جهاز الأمن والمخابرات وفرق كتائب الظل المسلحة التي ذكرها علي عثمان محمد طه في إحدى اللقاءات التلفزيونية وبسبب تماسك الحركة الإسلامية آنذاك.
نجحت ثورة ديسمبر 2018م بسبب دقة تنظيم تجمع المهنيين وتماسكه وصموده العظيم خاصة من فئة الشباب والنساء، ونجحت الثورة الباسلة بعد أن وهن نظام الإنقاذ وتشقق بالخلافات الشخصية بين قياداته وبين إجماع قيادات الحركة الإسلامية على ضرورة تنحي البشير وعدم ترشحه لدورة جديدة في العام 2020م، قاد هذا التوجه ضد البشير رئيس جهاز الأمن والمخابرات آنذاك صلاح قوش الذي أمر أفراد وقوات عمليات جهاز الأمن بعدم التصدي للثوار عند دخولهم ساحات القيادة العامة واعتصامهم بها، مما حدا بالبشير إلى إقالته من منصبه وتعيين عبد الرحيم محمد حسين بديلاً له في (الوقت بدل الضائع) وكان عبد الرحيم أول من اعتقل قبل البشير عندما حضر إلى الجهاز للاستلام من صلاح قوش، في المقابل نجحت ثورة ديسمبر 2018م وأسقطت البشير ولكن ترنحت وانهارت بأخطاء كارثية منذ الوهلة الأولى نجملها في الآتي:
أولاً: الخطأ الأول كان تكوين قوى الحرية والتغيير التي استلمت الراية من تجمع المهنيين.. قوى الحرية والتغيير ولدت جسماً مشوهاً يضم أحزاباً سياسية متنافرة منها من لم يكن واثقاً من نجاح الثورة، صدرت من قيادته تصريحات مثبطة غير مشجعة ومنها أحزاب متطرفة خرجت من (قحت) مبكراً ومنها أحزاب لا تملك سنداً جماهيرياً مؤثراً.
ثورة 6 أبريل 1985م ضد نظام مايو قادها تجمع النقابات من بدايتها حتى نهايتها في انتخابات 1986م البرلمانية مروراً بفترة انتقالية قصيرة لمدة سنة.
ثانياً: معيار اختيار رئيس الوزراء كان عاطفياً غير عقلاني- معيار رفض د. حمدوك تولي منصب وزير مالية في آخر حكومات الإنقاذ كان معياراً غير موفق خاصة أن من رشح د. حمدوك كانت قيادية في حزب المؤتمر الوطني.. بالرغم من ذلك المعيار الضعيف كان د.حمدوك يشكو دائماً من أن من اختاره يقصد (قحت) لم تقدم له برنامجاً كاملاً أو ناقصاً لإدارة الدولة.
ثالثاً: التآمر على حكومة د.حمدوك الأولى والنكوص عن مبدأ وزراء تكنقراط غير حزبيين وبحل الحكومة ودخول (4) أحزاب فقط في الحكومة الثانية.
رابعاً: اتفاقية جوبا 2020م للسلام خاصة في بدعة مساراتها التي لم تكن مناطق تلك المسارات مهددة للسلام ولم تدخل في مواجهات عسكرية تستدعي ضمها لاتفاقية سلام.
أفرزت اتفاقية جوبا شخصيات خلافية في المسارات أفضت إلى عدم استقرار في شرق البلاد لا زال مستمراً حتى اليوم.
خامساً: تم تكوين حكومة محاصصات وترهل في مجلس السيادة بعد اتفاقية جوبا زادت من حدة التنافر بين مكونات (قحت) ونشأت (قحت) أخرى موازية للأولى تقود البلاد الآن.
سادساً: أكبر خطأ كان الوثيقة الدستورية التي من أعدها لم يكن عميق التفكير وبعيد النظر ولا يملك الخبرة والحنكة السياسية والتي لو امتلكها لما ضم في الوثيقة الدستورية أجهزة حكم انتقالي هجين بين العسكر والمدنيين- العسكر والمدنيين لا يمكن خلق تجانس بينهما في وعاء واحد مثل مجلس السيادة تقسم بينهما القيادة مناصفة. أدى هذا الخليط في الوعاء الواحد إلى مناكفات ومشادات عنيفة داخل مجلس السيادة مما حدا بنائب رئيس مجلس السيادة إلى القسم بأنهم لن يجلسوا مرة أخرى مع المدنيين في طاولة واحدة وكان له ما أراد بعد انقلاب 25 أكتوبر.
سابعاً: عمل لجنة إزالة التمكين شابه قصور واضح وعنف لفظي وفعلي ولم تكن لجنة إزالة التمكين محمية حماية كاملة قانوناً، الأمر الذي أدى إلى استغلال ثغرات في قانون إزالة التمكين أتاحت إلغاء معظم أو كل قراراتها بواسطة القضاء، أهم قصور في قرارات لجنة إزالة التمكين هو تقاعس لجنة الإستئنافات الخاصة بقرارات اللجنة إذ لم تنظر لجنة الإستئنافات في أي طلب، الأمر الذي يتعارض مع قانون إزالة التمكين وكان ذلك الثغرة التي بها تم إلغاء قرارات اللجنة بواسطة المحاكم.
ثامناً: من الأخطاء الجسيمة كان إقرار فترة زمنية طويلة للحكم الإنتقالي- معلوم أن الحكم الإنتقالي حساس جداً لا يحتمل الخلافات ومعلوم أيضاً أنه كلما زادت الفترة الإنتقالية كلما كثرت المشاكل، كل الفترات الإنتقالية الماضية كانت عاماً واحداً جرت بعده انتخابات ناجحة عاد بعدها العسكر إلى الثكنات بكل هدوء.
تاسعاً: طول الفترة الإنتقالية أتاح فرصة ذهبية لقيادات وعناصر النظام السابق إلى التماسك مرة أخرى والظهور في العلن والتحالف مع عناصر في ثورة ديسمبر مثل حركات الكفاح المسلح، والذين أنشأوا جسماً موازياً لـ(قحت) المجلس المركزي تحت مسمى قوى التوافق الوطني التي أحدثت زخماً إعلامياً كبيراً الأيام الماضية بعد مبادرة الشيخ الطيب الجد.
لذلك أرى أن تعترف فصائل قوى الحرية والتغيير بالأخطاء المذكورة أعلاه والعمل على إدراك ما يمكن إدراكه بالتوافق عاجلاً في حد أدنى يؤدي إلى تكوين حكومة في ميثاق جديد يعيد العسكر إلى الثكنات وتجرى انتخابات خلال 18 شهراً على الأكثر. بدون ذلك القادم أخطر.