الانتخابات التي أجريت في أجـواء ديمقراطية حقيقية لنقابة الصحافيين السودانيين بعد ثلاثين عاما الحكم الشمولي وعودة كيان الصحافيين النقابي من كبوته واستعادة هيبة المهنة وكرامة الصحافي، تمثل خطوة مهمة في طريق التحول الديمقراطى.
هذا الإنجـاز التاريخي الذي عمل عليه الصحافيين بإرادة وحرص ومثابرة حتى تحقق الحلم أخيراً بانتخاب نقيب الصحافيين السودانيين ومجلس النقابة في تجربة احتفى بها الشعب السوداني قبل الصحافيين، احتفاءاً بالديمقراطية والحرية وحق التعبير والصحافة الحرة التي تعبر عن هموم الوطن والمواطن.
لقد فرض النظام المباد قيوداً على الصحافة أفقدتها القيام بدورها الوطني والمجتمعي وجعلها عاجزة عن تقديم مضمون يعبر عن الشعب السوداني وان تطلعاته في الديمقراطية والحرية، وقد انتشرت في عهده الغابر الصحافة السلطوية، و(الزبالة)، وتكوين اتحاد ينفذ سياسات آحادية ويحارب الكلمة الحرة، عطفاً على التنكيل بالصحافيين وايقاف الصحف وتوجه المحتوى الإذاعي والتلفزيوني بما يخدم أهدافه الاستبدادية، واحتكار الإعلان، والتضييق على الصحافة الحرة.
ورغم كل ذلك ظلت مقاومة عسـف السلطة حاضرة ومتقدة دفع ثمنها الصحافيين سجناً وتشريداً وإنتهاكاً الحقوق والحريات، ودفعت ثمنها الصحف ايقافاً ومصادرةً واغلاقاً، وقد لعب في ذلك ما يسمى باتحاد الصحفيين دورا أمنياً وسياسياً (حارس البوابة) في النيل من حرية الصحافة، وعايقاً أمام الحصول على المعلومات، واستهدافاً للصحافيين.
بعد ثورة ديسمبر المجيدة انتفض الصحافيون ضمن قطاعات الشعب لاسترداد المنابر النقابية التي تعبر عن إستقامة الصحافيين وعن حرية العمل الصحافي، وديمقراطية العمل النقابي، وعن دور الصحافة في بناء مجتمع المعلومات وصحافة المجتمع الثوري.
تكللت مسيرة النضال من أجل التغيير والتحول الديمقراطى بالنجاح وكسر كل القيود، وأكد الصحافيون مجدداً أنهم قادرون على التعبير عن الشعب والدفاع عن حريته وكرامته.
الآن، انتصرت إرادة الصحافيين في معركة التحرير والتغيير، وقدموا المثل والنموذج في الفعل الديمقراطي الحقيقي، وفتحوا الباب واسعاً أمام كافة الكيانات النقابية الأخرى أن تحذوا حذوهم، وجعلوا الحلم واقعاً، وبالتأكيد هذه الخطوة غير كافية في مسيرة التحول الديمقراطى فمازالت التحديات ماثلة أمام أستاذنا عبد المنعم ابو ادريس نقيب الصحفيين السودانيين ومجلس النقابة أهمها تحديات المهنة نفسها في ظل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا وما يطلب من تطوير صناعة الصحافة، والمحافظة على المهنة، وترقية أوضاع الصحافيين والإعلاميين، وتهيئة بيئة العمل الصحافي، وخوض معركة تغيير القوانين والتشريعات، ووقف الانتهاكات ضد الصحافيين، وإدارة حوار شفاف وسط أروقة القاعدة الصحفية للمحافظة على المكتسبات وتطوير المهنة، ومن أكبر التحديات قيادة مسيرة التحول الديمقراطى الاجتماعى ونشر الوعي بالديمقراطية الذي تراجع كثيراً بفعل الإنقلاب وإنتشار خطاب الكراهية والعنصرية.
أمام نقابة الصحفيين فرصة ثمنية في قيادة الرأي العام نحو ترسيخ ثقافة السلام والحرية والعدالة ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة والمحاسبية، وفي بناء نقابة قادرة على حماية الصحافيين وتطوير المهنة وارساء دعائم الممارسة الديمقراطية.
وهذا لا يتأتى إلا بالتفاف كافة القاعدة الصحفية حول نقابتها الوليدة وتقديم كافة أنواع الدعم والتضامن والمناصرة لسياساتها وبرنامجها وأنشطتها المهنية والاجتماعية والثقافية وواجبها الوطني إتجاه هذا الشعب الذي عانى من النظم الديكتاتورية، والذي يمني نفسه بحكم مدني ديمقراطي.