* وافقت السلطة الانقلابية أم لم توافق، إعترض مسجل عام النقابات أم لم يعترض، اعترف بها لم يعترف، فلقد اصبحت نقابة الصحفيين السودانيين حقيقة واقعة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يزايد عليها أو يوجه إليها اتهاما بعدم تمثيل الصحفيين السودانيين الذين آتوها وانضموا إليها من الداخل والخارج ومن كل فج عميق حتى زادت عضويتها عن 1600 صحفيا وصحفية من شتى انواع العمل الصحفي والاعلامي، يرجون عندها تمثيلا حقيقيا لهم، تدافع عن حرية الرأى وتحمي حقوقهم وتدفع عنهم الظلم الذي تكبدوه طيلة سنوات طويلة تزيد عن عمر استقلال السودان، ظلوا يبذلون خلالها الجهد والعرق والتضحيات الكبيرة لنشر المعرفة والتنوير وتزويد القارئ بالاخبار والمعلومات والتحليلات والمقالات والفن والامتاع، ولا يجدون في المقابل إلا أقل القليل وفي كثير من الاحيان القمع والسجون، بل القتل والاغتيالات، ولقد بلغ عدد الذين دفعوا حياتهم ثمنا للعمل الصحفي في مختلف انحاء العالم في عام 2021 فقط 51 صحفيا، وهى مناسبة نتذكر فيها ونترحم على شهداء الصحافة السودانية ومنهم (محمد مكي الناس) الذي اغتيل في نهاية ستينيات القرن الماضي (ابان نظام جعفر نميري) بعد إختطافه من لبنان، والصحفي (محمد طه محمد أحمد) الذي قتل في العهد البائد، بينما يحصد غيرهم الأرباح والأموال الطائلة ويتطاول في البيان، بفضل جهدهم وعرقهم وابداعهم وتضحياتهم، ويبخل عليهم بالفتات معتقدا أن اسباب النجاح هىَّ عبقريته الفذة والمبلغ الضئيل الذي أسهم به في التأسيس والمرتبات الضئيلة التي يدفعها لهم !
* إثنان وخمسون عاما كاملة حكم فيها الانقلابيون والأنظمة الشمولية السودان، بالإضافة الى الفترة منذ انقلاب أكتوبر المشؤوم في 25 أكتوبر الماضي (2021 ) وحتى اليوم، ظل الصحافيون يواجهون فيها الصلف وكتم الحريات والارهاب والقمع والاعتداء والاتهامات الجائرة والاعتقالات والسجون والاغتيالات، ولكنهم ظلوا صامدين متمسكين بمبائدهم وحرية قرارهم واقلامهم ومهنيتهم واستمرارهم في الصدع بالحق ما عدا قلة آثرت بيع النفس والتطبيل وحمل المباخر للحكام وتشويه العمل الصحفي والحط من قيمته، فسقطت في اعين الناس، قبل أن تسقط بسقوط سادتها وأولياء نعمتها!
* وثلاثون عاما حكم فيها تجار الدين، افسدوا وأشاعوا الفساد ودمروا البلاد ونهبوا الثروات وقتلوا وفرقوا العباد، وباعوا الدين والقيم والاخلاق من أجل سلطة زائفة ودنيا لا تدوم، وارتكبوا الجرائم وفعلوا الأفاعيل الدنيئة واشتروا الكثيرين، ولكنهم عجزوا عن تأسيس عمل صحفي واحد ناجح رغم انفاقهم المليارات من مال الشعب المنهوب، فكانت مؤسساتهم الصحفية سرعان ما تسقط وتتوقف عن الصدور لإعراض الناس عنها واحجام الصحفيين الاحرار عن العمل فيها رغم الاغراءات والتهديدات، ولم تنجح وتستمر إلا بعض الصحف القليلة المستقلة التي إختطت لنفسها طريقا مهنيا لا تنحاز فيه إلا للحقيقة، ولكنها كانت دائما ما تواجه العقوبات والمصادرات والإيقافات والاغلاق الدائم ، كما واجه الصحفيون الذين عملوا فيها القمع والاعتقالات والسجون، إلا انهم ظلوا مثل بقية الأحرار في كل المهن والمجالات صامدين ومثابرين على النضال، وكانت الثمرة ظهور بعض التجمعات الصحفية السرية مثل شبكة الصحفيين السودانيين، والتجمعات الحقوقية ذات الصلة بالعمل الصحفي مثل (جهر)، وصدرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية مثل (سودانايل وسودانيزاونلاين والراكوبة والتغيير) وغيرهم، ولعبت كلها دورا كبيرا في تعرية النظام البائد ومقاومة اعماله القمعية والعدائية ضد الصحافة والشعب السوداني، وكانت ولا تزال رمزا للنضال ومنبرا حرا لمن لا منبر له، يحق لنا جميعا أن نفخر بها ونحييها ونعتز بمن وقفوا وراء تأسيسها واستمرارها وعانوا ما عانوا من صلف النظام البائد وبعض الانظمة المتعاونة معه، واضطر بعضهم لمغادرة السودان والاوطان التي يقيمون بها والهجرة الى المنافي ثمنا لنضالهم واستمراره !
* لم تكن الرحلة سهلة، بل كانت طويلة وشاقة ومضنية، اعترضتها الكثير من العقبات والخلافات والانشقاقات حتى ظن البعض أنه لن تقوم قائمة لتنظيم نقابي صحافي جماعي، ولكن تجاوز الصحفيون كل العقبات والخلافات بإرادة حديدية وعقول مضيئة، فكان مولد نقابة الصحفيين السودانيين الحرة العملاقة التي لن يقف في طريقها مسجل نقابات أو سلطة انقلابية، ولكنها هى التي ستقف لهم وتسقطهم وترمي بهم في مزبلة التاريخ، وويل لكل من يعترضها ويقف في طريقها !