تطرأ لي، كلما تفكرت في قلة معرفتنا باللغة العربية، كلمة لطه حسين قال فيها إن الذي نتداوله من لغة باسم العربية ليست هي العربية. ولا يعد صفوة السياسة والحكم ضعف التحصيل في اللغة نقصاً في السياسة بينما السياسة لغة في خاتمة المطاف. ومتى لم نحسن اللغة ساءت سياستنا وتأبطنا البنادق وخرجنا ليوم كريهة كما هو مشاهد.
وقفت طويلاً أمام بيت لمحمد سعيد العباسي (1888-1963) أخذني جماله عني: قال:
فتّحت وردها أصائل آذار (الربيع) وقد قرّط الندى أوراقه
وفوجئت باستخدام الشاعر ل”قَرّط” كفعل وقد قصرناها على الاسمية في اسم الحلية التي تزين آذان النساء. ومنها قولنا “طويلة مهوى القُرط” أي ذات عنق طويل. وهو طول “تتقطع أنفاس” القرط حتى يبلغ الكتف من شحمة الأذن. وهو من آيات الجمال المحمودة. ومن أشهر هذا المجاز في حسن الجيد عمر بن أبي ربيعة القائل في بنات أهله من بني أمية وفي الحرم المكي:
نظرت إليها بالمحصب من منـى
ولي نظر لولا التـحـرج عـارم
فقلت: أشمس أم مصابـيح بـيعةٍ
بدت لك خلف السجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إما لـنـوفـل
أبوها وإما عبد شمـس وهـاشـم
ولا زلت اذكر فيلم “آنا كارنينا” الروسي منذ نحو 5 عقود ولفتاته هذه الصفة. وخطر لي هذا المقطع من الشعر العربي في مؤتمر قريب حضرته فتاة بيضاء من جنوب أفريقيا في عنقها طويل جريء. وترجمت لها المقطع في إنجليزيته.
وكنت أقرأ في كتاب منسي للدكتور عبد الله الطيب هو “الاتجاهات الحديثة في النثر السوداني”. وعرض لنثر جده الشيخ المجذوب في مولده المسمى “اللآلئ الزهرات”. ووجدته يستخدم “قرط” الفعل في معنى التحلية. فقال مرة “وبالشكر لله نقرط آذان أهل المسامع بأقراط الولادة”. ثم عاد ثانياً يقول “مقرطاً آذان السامعين بأقراط مصوغة بخالص قوة الله.”
ولا أعرف مثل الحاردلو كلِفاً بأعناق النساء ناظراً إلى أعناق المها. فالوريد، أو العنق، “زي الشمعدان مصبوب”، أو أن “الفي وريدهن شولقن (زينة) مرصوص”.
كلام العباسي عجيب في وصفه الندى الذي يكون على صفق الخضار صباحاً بأقراط تزين أعناقه.
وبعيدة مهوى القرط لغتنا الجميلة.
IbrahimA@missouri.edu