على لسان السفير الأمريكي جاء الخبر الوارد بصحيفة الراكوبة الإلكترونية، قال أن اجتماعه بسفيري بريطانيا والمملكة العربية السعودية ناقش جهود تقريب وجهات النظر بين الفاعلين السودانيين لحل الأزمة السياسية ومساعدة السودان في عملية الانتقال، فما دامت حلول المشكل الوطني قد تم تدويلها بعد فشل كل المبادرات السياسية والمجتمعية الداخلية، على الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة أن يعلما بأن السودان أمسى ممداً على طاولة عشاء جميع زعماء العالم، وطالما أن النخب السودانية قد أفلست ونضب معينها من الحلول المحلية، فمن باب أولى أن يُدعى لهذه الوليمة ضيفان كريمان آخران لم يشملهما الاجتماع الذي ضم سفراء الدول الثلاث، هذان الضيفان هما روسيا والصين، لتكتمل فرحة المعازيم ويستريح الفاعلون الحقيقيون المتحكمين في أنشطة الكوكب الأخضر، ويتراضوا حول أنصبة وأسهم المنفعة الاقتصادية العائدة إليهم من ريع ثروات هذا البلد الأمين، فما من دويلة فاشلة يتنازع ابناؤها ملكها ومالها إلّا وخضعت لأطماع وجشع التنافس العالمي، فمع غياب الصين الشعبية والدب الروسي لن يفلح هذا الاجتماع الثلاثي في الوصول إلى وفاق يرسي سفينة الانتقال على شواطيء البر الآمن، وأكاد أجزم بأن الحالة السودانية حالة فريدة في نوعها ولم يسبق لها مثيل بالكرة الأرضية، لذلك لا يمكن أن تتنبأ أعظم مركز البحوث الأستراتيجية بمآلاتها.
ما دفعنا للفت الانتباه لضرورة الوجود الصيني الروسي ضمن المساعي الدولية المساعدة لأهل السودان الذين فشلت طبقتهم السياسية في الالتفاف حول مشروع وطني ينقذ مرحلة الانتقال من غول التكالب السياسي، هو الوجود الأسبق لهاتين القويين العظميين في الشأن السياسي والاقتصادي، منذ ما قبل إسقاط الدكتاتور، وبالأخص الصين الشعبية الحاصلة على امتياز استخراج النفط والداخلة في مشروعات عديدة للبنى التحتية، أما جمهورية روسيا الفدرالية وبعد حربها مع أوكرانيا فقد أوجدت لنفسها لوبي سياسي داخل منظومة الحكومة السودانية المتذبذبة بين إرهاصات الإنقلاب العسكري وخطاب قائد الجيش الذي زعم فيه تنازله عن السلطة واكتفائه بادارة دفة المنظومة العسكرية، فهذا الوجود الصيني الروسي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه، إلّا في حال قيام القوى الوطنية بكسر جمودها وتجاوز المساعي الدولية، وقيامها بصناعة وفاق سوداني – سوداني، وبذلك يكون خيار دعوة الثنائي الأحمر – الدب الروسي والتنين الصيني – لهذه المأدبة الفاخرة أمراً حتمياً، فالتحول الكبير الذي طرأ على اقتصاد بكين وبروز التهديدات النووية الصادرة من موسكو تجاه الغرب الأوروبي، وابتزازه بوقف صادرات غاز سهول سيبيريا، سيفرض على أمريكا والغرب الأوروبي إصدار بطاقات الدعوة لروسيا وصنوتها الصين، لحضور حفل تقاسم ثروات السودان البلد الذي رهنه أبناؤه للإرادة الخارجية.
لقد بدا واضحاً أن أرض الخرطوم ليست منكوبة بكوارث السيول ولأمطار وحدها، بل أمست غارقة في وحل مستنقعات الأنشطة الدبلوماسية الإقليمية والعالمية، ففقد الرمز (الوطني) هيبته ورخصت قيمته أمام هرولته المفضوحة نحو التهام اطروحات السفراء الأجانب، خانقاً بسلوكه هذا ثورة الشباب الديسمبرية، المعبّرة عن أمل الخلاص من براثن الفشل النخبوي المقيت، والدالة على التماع شعاع النور الساطع في نهاية النفق المفضي إلى الحلول الوطنية الخالصة، الخالية من شوائب العمالة، فالأمل ما زال معقوداً على ناصية هؤلاء الثوار وبعض المتبقين من آخر النساء والرجال النزهاء، فهذه الأرض الحلوب علّمتنا منذ غابر الأزمان أن تركيعها مكلف جداً، وأن خوض غمار دهسها بحذاء الأجنبي أمر صعب المراس، وشهر سبتمبر الجاري يعيد إلى ذاكرتنا الوطنية ذكرى معركة (كرري)، تلك الملحمة الوطنية والبطولية التي قادها أجدادنا الأشاوس شمالي أم درمان، فكانت خير أنموذج يحتذي به شبابنا اليوم في الصمود والتحدي والتفاني والذود عن حياض الأرض والعرض، ولعل تلك الأيام السبتمبرية من أواخر القرن السابع عشر أن تكون ملهمة للصادقين منّا لاكمال المشروع الوطني، فلم يترك لنا ساسة وحكام اليوم وسادة نتكيء عليها من وعثاء السفر والمسير الطويل على درب القضية، وكل ما فعله هؤلاء الساسة والحكام هو أنهم أهملوا أبواب الوطن وفرّطوا فيها وتركوها مشرعة لدخول كل صاحب غرض مغتصبت للخرطوم في جنح الدجى.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com