في اوائل عام 2006عندما تم استدعائي و زوجتي للحضور لقاعة بلدية ضاحية ايلنق بلندن ( حيث مقر اقامتنا ) لنستلم الجنسية البريطانية كان من ضمن فعاليات الاحتفالية التي حضرها اكثر من مدعو من خلفات عرقية مختلفة ، ان نردد السلام الوطني البريطاني الذي تتضمن كلماته ( فليحفظ الله ملكتنا الكريمة ، فالتعيش ملكتنا النبيلة حياة طويلة ، … … لتملك علينا طويلا …. الخ النشيد )
كان عهدي وقتها ببريطانيا حوالي الخمس سنوات فقط . لذلك امتعطت كثيرا عندما رددت هذا النشيد . كان يلازمني شعور بان هذه خيانة لوطني السودان الذي اعتز به بالرغم من ان البريطانيين يسمحون بازدواج الجنسية ويسمحون لنا باحتفاظنا بالجنسية و الجواز السوداني .
اليوم احسست انني حزين لوفاتها و اشارك البريطانيون احزانهم بوفاة ملكتهم التي كانت تحظي بتقدير كبير خصوصا من كبار السن . الملكة التي توفيت اليوم عن عمر 96 عاما بلاشك قد اصابتها دعوة الملاين الذي رددوا السلام الوطني و انا احدهم .
تذكرت زيارة الملكة للسودان و زيارتها لبركات و نحن طلبة صغار بمدارس بركات و خروجنا لاستقبالها و مازلت اذكر ان ناظر المدرسة طلب مننا ان نهتف بعبارة كان قد استعصي علي فهمها – فيفا الملكة – ! كان حدثا كبيرا مازال راسخا في الذاكرة .
عند قدومي لبريطانيا مهاجرا كنت اتحلق في شاشة التلفزيون البريطاني عند قراءة نشرات الاخبار لكي احظي بمشاهدة الملكة . اذكر انني صدمت حيث لم تظهر الملكة علي شاشة التلفزيون لاكثر من خمسة شهور ! كان ذلك يشكل صدمة لشخص اعتاد ان يتصدر الرؤساء و الملوك في عالمنا العربي نشرات الاخبار – هنا يقولون ان الملكة تملك و لا تحكم – ! .
من المفارقات ان العناوين الرئيسة لنشرات الاخبار في تلك الفترة و لشهور وفاة طفل نيجيري نتيجة لنزيف وهو ملقي علي قارعة الطريق ينزف و المارة يمرون من امامة دون اسعافه ، مما شكل قضية قومية طالبت فيها الحكومة المجتمع لتغير سلوك اللامبالاة . كان هناك نقاشا طويلا و حزن عميق عم البلاد بعد ان فارق الطفل الحياة .
وقتها لم استوعب هذا السلوك الغريب و تذكرت اهلنا في السودان الذين يرون ان مثل هذا الطفل النيجري ليس اكثر من بنجوز لا قيمة له .
بلا شك كان هذا احد الشواهد التي رسخت قناعتي باني في بلاد تعطي الانسان قيمته بصرف النظر عن سحنته و ملته. وقتها اطمانيت باني انسان له قيمة رقم لون بشرتي الداكن .
الملكة رغم ظهورها النادر الا انها تحظي بتقدير كبير فقد انعم الله عليها بالقبول و حببها للناس . الان اشاهد الاخبار ، اري حزن البريطانيون و وقوفهم امام قصر بكنجهام رقم الامطار الغزيرة و اري شبه اجماع في نعيها من معظم روساء العالم بما فيهم الرئيس الروسي رغم ما أظهره رئيس وزراء بريطانيا السابق بورس جونسون و حكومته من عداء صارخا له .
نسال الله لها الرحمة و المغفرة و حسن المآب