الاسم البلدي الريفي لبيض الدجاج ( المِح) يهتم به المربي باعتباره مصدرا لنمو القطيع . فقامت حوله مجموعة من المقولات جلها زائفة ، ولا أصل لها من العلم والمعرفة . وقد قُصد منها منع تناول البيض أو على الأقل حصره في الحد الأدنى . ومن المقولات المشهورة جدا : لا تقدم البيض لأطفالك لأنه ( يعجّمهم ) ، أي يصيبهم بالعُجمة وهي الضعف في انطلاقة اللسان . وتقول مقولة أخرى : من يأكل البيض فسيُخرج منه يوم القيامة بأنفه .
عموما كنا نحن كأطفال نفرح جدا أن دجاجةً بالبيت بدأت تبيض ، فنظل نراقبها يوميا ، ونعد بيضها ، ونتابعه حتى يفقس ، وربما نشتكي لأهلنا حين يتأخر موعد فقس البيض ، لكنهم دائما يطالبوننا بالصبر ، ويؤكدون لنا أنها ستفقس . ثم نستمر في مراقبة الكتاكيت ، ونحميها من الحدية ( طائر الحدأة ) الذي يخطف الكتاكيت .
لا أذكر أنني أكلت بيضاً في صغري حتى شبابي ، غير مرة واحدة حرّضتني عمتى التي لم تكن تكبرني كثيرا ، حرّضتني على سرقة بعض بيض دجاجات البيت ، وكانت هي تقدمه لي كبيض بالطوة ، ونأكله سويا ، وقد لاحظت أمي ذلك ونهرتنا نهرة قوية لم نعد بعدها لسرقة البيض . ومن أطرف سرقات البيض أن أحد معارفي اعتاد أن يسرق البيض، فشكا والده لجدي الذي كان قصاصا للأثر ، فجاء جدي إلى بيتهم وتتبع آثار الأطفال وحركتهم في البيت ، وتابع الأثر حتى موقع تحضين البيض ، وأشار إلى السارق دون تردد . وأخذ السارق علقة ساخنة جعلته يتوب إلى الله متابا .
لكن لماذا تم اتهام آكلي البيض بالعُجمة ؟ أعتقد أن السودانيين شاهدوا فكرة تناول البيض عند الأجانب، ومنهم الأترا ، والإنجليز ، ومن نزح معهم من الشعوب الأوروبية والآسيوية كموظفين تابعين للاستعمار . ووجدوهم لا يتحدثون العربية إلا مكسورة ، ولم يجدوا سببا وجيها لذلك غير أن هذه الشعوب تتناول البيض غالبا في وجبة الفطور ، في حين أن السودانيين يعتمدون على عصيدتهم وملاحاتها المعروفة ولا يقربون البيض ، فرموا البيض بتهمة صنع العُجمة ، وهو بريء منها .
ما ذكرناه آنفا كان مطابقا تماما لما قبل تطوير فكرة الدجاج البياض الذي لا يحضن البيض ولا يهتم به مطلقا . وأصبح البيض سلعة متوفرة في محلات البقالة والسوبرماركت في المدن، لكن غالبية القرى البعيدة ما زالت تمارس طقوس عدم أكل البيض .