لا خلاف بأن مكرمة وزير المالية جبريل لابن أخيه أواب بإعفاء ركوبته من رسوم حكومية قد جاءت في إطار عائلي ولا شأن لها بإتفاق جوبا ولا سند لها في قانون ولا عرف، وهي بعكس ما جاء في تبريرها تعتبر بدعة ونص وخمسة، الا إذا كان جبريل قد عنى بمثل هذا القول أنه أراد السير في طريق من إستنّوا مثل هذه البدع في عهد الإنقاذ.
الجانب المهم في هذه القضية ليس مقدار النقود التي خسرتها الخزينة العامة من وراء هذا التصرف، ولكنها في فهم جبريل لأحقيته في إطلاق يده بالتصرف في المال العام بمثل هذه الجرأة والاستسهال، وهما العنصران اللذان عناهما جبريل في تبريره في الاستناد إلى إتفاقية جوبا في هذا التصرف، فالاتفاقية هي الأداة التي تجعله يحتمي بقوة السلاح الذي يمكن أن يستخدمه في وجه أي جهة يمكن أن تسائله عن تلك الأفعال أو تستجرئ بإزاحته عن موقعه في يوم من الايام.
منطق جبريل في منح هذه المكرمة لأحد أنجال شقيقه هو نفس الحجة التي يمكن أن يمنح بها بقية أشقاء “أواب” وشقيقاته بعطايا حكومية مماثلة، والحجة نفسها لم يرد لها ذكر في خطاب المكرمة الذي خلى من توضيح أسباب استحقاق الاعفاء الجمركي، والسبب في هذا الاغفال واضح، ذلك أن الذين تنطبق عليهم أي حيثيات يذكرها الخطاب سوف تنطبق على عشرات الألوف من الشهداء والمفقودين والمصابين من الضحايا المباشرين لا مجرد أفراد من أسرهم.
هذه ليست مجرد حادثة إساءة إستخدام للسلطة نتيجة سوء تقدير، ولكنها، في ضوء ما ورد تكشف عن منهج عقلية تحكمية تستند إلى قوة السلاح لا القانون.