رجل أعمال مصرى تبرع بعدة ملايين لمستشفى القصر العينى وعندما دعوه إلى حفل تكريم من الأطباء وجد ألاف المرضى ينتظرون فرصة علاج .. فسأل المسئولين:
.. كم تحتاجون من الأموال لعلاجهم ؟ فقالوا له .. مليار جنيه كاملة لن تكفى .. فالأعداد تتزايد كل يوم أضعافا مضاعفة .. فطلب منهم اصطحابه فى جولة للتعرف على تفاصيل وحجم الأبنية وعلى مساحة القصر العينى .. عند انتهاء الجولة قال لهم إنكم تمتلكون أرض فضاء خالية ومهجورة تطل على النيل بجوار الميرديان وفى تقديرى أنها تساوى عشرين مليارا .. سألوه كيف ؟ .. قال من الممكن أن يستثمره بعض رجال الأعمال لبناء فندق ضخم عليها بجوار “جراند حياة” ويكسبون منه المليارات .. تلك هى عين رجل الأعمال التى تصنع من التراب ذهبا ومن الفسيخ شربات .. مصر تحتاج اليوم إلى مثل هذه العقول .. فهم يستطيعون إحداث نقلة اقتصادية سريعة فى كل المجالات إذا حدث لهم نوع من التمكين .. فرنسا خاضت تلك التجربة منذ زمن بعيد .. اجتمع وزير المالية الفرنسي “جان بابتيست كولبير” مع مجموعة من كبار رجال الأعمال الفرنسيين ووجه لهم السؤال التالي: أيها السادة، كيف يمكن للحكومة الفرنسية مساعدتكم؟ وأجاب الحاضرون قائلين بالفرنسية”laissez-faire”
بمعنى “دعونا نعمل” أو “اتركوا الأمور تمضي كما هي”.
ومن يومها أصبح شعار “ دعه يعمل .. دعه يمر” أحد أهم أسباب الحراك الاقتصادى للبشرية.. بالطبع هذا لا يمنع من تدخل الحكومة لتنظيم الضرائب والجمارك وفى نفس الوقت من أجل حماية المنتجات الوطنية كلما اقتضت الضرورة .. آدم سميث فى كلاسيكيته الشهيرة “ثروة الأمم” يقول نصا .. إنه باستثناء الضرائب التي اعتبرها ضرورية لضمان الرفاهية الاقتصادية، فإن كل القيود لا تؤدي إلا إلى عدم الكفاءة وإعاقة الإنتاج دون مبرر… ويقول سميث أيضا .. إن الاقتصاد يعمل وفقًا لثلاثة قوانين طبيعية .. الأول .. هو أن جميع الأشخاص يجب أن يتصرفوا وفقًا لمصلحتهم الذاتية .. والثاني .. هو أن كل شخص هو أفضل من يعرف مصلحته الذاتية .. أما الثالث، فهو أن كل شخص يعمل وفقًا لمصلحته الذاتية .. سيضيف تصرفه هذا إلى الرفاهية العامة للسكان…والصين مؤخرا فعلت ذلك فحققت معجزتها الاقتصادية .. قامت بتمكين المنتجين فى كل مناحى الإنتاج .. وبدأت الاصلاحات التي قادها الزعيم دنغ شياوبينغ في تغيير وجه الاقتصاد الصيني .. منح المزارعون الحق في استغلال أراضيهم الخاصة مما ساعد في تحسين مستويات معيشتهم والتقليل من ظاهرة شح المواد الغذائية… يقول البنك الدولي إن أكثر من 850 مليون من الصينيين تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر بفضل سياسات الإصلاح.. مصر تحتاج إلى رؤية جسورة من هذا النوع لتحقيق الأمن الغذائى والخروج بالملايين من دائرة الأزمات المتلاحقة .. الخبراء اليابانيون اكتشفوا أنه إذا زاد عدد رواد الأعمال بنسبة 1% من إجمالي السكان .. فإن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي سوف يزداد خمسة من عشرة فى المائة .. واكتشفوا أيضا أن الشركات الناشئة ساهمت فى تشغيل خمسة ملايين مواطن .. كما أدى تمكين رواد الأعمال إلى زيادة المنافسة ومن ثم زيادة الإنتاجية .. وبالتالى خلق فرص لتصدير الفائض وخلق أسواق جديدة والحصول على العملات الصعبة من الدولار واليورو وخلافه
.. ينبغى هنا أن نتذكر رجال الأعمال الذين أحدثوا نهضة غير مسبوقة فى تاريخ مصر .. طلعت حرب مثالا يحتذى للرأسمالية الوطنية .. استطاع بمفرده أن يحقق ما لم تحققه الحكومات على مدار عشرات السنوات .. بنوك ومصانع واستديوهات وشركات طيران ومطابع .. نهضة جبارة .. إن توافر عقول اقتصادية تتولى الوزارة ويتم تشجيعها بقوة هو ما تحتاج إليه الشعوب لكى تنهض اقتصاديا .. وإذا ما تأملنا قصة نجاح تايوان فقيرة الموارد الطبيعية سنرى أنها راهنت على أفراد شعبها وعلى التكنولوجيا من أجل خلق القيمة المضافة .. تأمل التاريخ الحديث عندنا أيضا سوف تجد قصص نجاح رائعة بداية من الشيخ حسن طوبار إلى السكاكينى إلى البدراوى .. ومن أحمد عبود باشا إلى العصامى محمود العربى .. ومن امبراطور الأتوبيس أبو رجيلة قبل ظهور النقل العام .. إلى ياسين وصناعة الزجاج ولمبات الجاز وإلى عائلة قطاوى ومشاريع السكك الحديد وتصنيع السكر .. وصولا إلى عائلات ساويرس ومحمد الفايد ومنصور عامر وأبو العينين وفريد خميس وياسين منصور ونادر رياض والسويدى وغيرهم كثيرون .. ناهيك عن التجار الشطار والمزارعين والمقاولين والمخترعين والمبتكرين من الأجيال الجديدة وأصحاب العقول المصرية المهاجرة فى عواصم العالم المتقدم .. الحكومة وحدها لن تستطيع.. افتحوا أبواب الرزق للناس وشبابيك الأمل للشباب .. تنصلح الأحوال أوتوماتيكلى .. المصريون يستطيعون
🌺
منشورة بالاهرام النهاردة الجمعة 16 سبتمبر 2023