كنت أعمل بوزارة المالية في أواخر السبعينات ، فزارني مرة أستاذي المرحوم بروف محمد العوض جلال الدين ، وأخذني لأحد قيادات الوزارة ، وعرّفني عليه باعتبارهما أبناء دفعة واحدة. وكلفني بمتابعة إجراء خاص به حين كان مبتعثا في الخارج واستحقاقه لإعفاء لسيارة . وكان الإجراء بأكمله من صلاحية زميله الذي عرّفني ، ولذا كان دوري أن أذكّر هذا المسئول من وقت لآخر حتى ينقضي الأمر .
كنت أعرف جيدا أن محمد العوض ينتمي إلى اليسار العريض ، ومسئول وزارة المالية ينتمي لجماعة الأخووان المسلمين . ومنذ البداية كنت متأكدا أن محمد العوض قصد الشخص الخطأ رغم الزمالة وعلاقته بالإجراء كأحد اختصاصاته .
مرت فترة طويلة ، وهاجرت للسعودية ، ولم ينقض الموضوع بالرغم من تأكدي من الاستحقاق . ولاحظت أن المسئول بوزارة المالية أصبح لا يطيق رؤيتي . وهاجر محمد العوض إلى الكويت ، وانقطع فترة طويلة عن السودان ، وأعتقد أنه نال الجنسية الكويتية ، وقدّم الكثير للكويت وخاصة للبرلمان . أما المسئول بوزارة المالية فقد ظل يعمل بها إلى أن انتقل كوزير مالية لولاية الخرطوم ، ولم يقدّم للسودان إلا مساهمته في أساليب الكوزنة وإعادة انتاج التخلف والفقر في البلاد .
أوردت المثال لأقول أن مجافاة الأسس السليمة لوظيفة الوزير تهزم في النظام ووزرائه روح المبادرة وتقدّم للوظيفة العامة أشخاصا غير مؤهلين يعانون من ضعف الشخصية وفقدان البوصلة ويكون همهم كله منصب على امتيازات المنصب .
وأقفز إلى الحكومة الانتقالية والتي أميل إلى تسميتها بحكومة حمدوك إذا كانت الأولى أو الثانية . وأجد العديد من الذين نالوا المنصب الوزاري لم يكونوا يمتلكون مستحقات هذا المنصب رغم التفوق الوظيفي أو الأكاديمي الذي ميزهم عن كثيرين لينالوا الوظيفة . فالوزارة لا علاقة لها بالنجاح الأكاديمي، ولا هي مكافأة عن بعض النضال الذي يظنه البعض أساسا للعمل السياسي . فبعض وزراء الانتقالية لم يكونوا مستحقين للمنصب الوزاري بسبب قصور الكثير منهم عن مسئوليات هذا المنصب . ويمكن أن نقول ان الوزارة تحتاج مجموعة تمثل خلطة متجانسة من المؤهلات ومكونات الشخصية وامتدادات علاقاتها الاجتماعية وجذورها السياسية والمقدرة على الخوض بفاعلية في الشأن العام .