22 سبتمبر الجاري كان يوم وداع شهداء معسكر “كلمة”، الذين هزموا البشير(الرئيس عمر البشير) وسطوته الأمنية، وفي 23 سبتمبر 2017 استقبلنا ذكرى شهداء ثورة 23 سبتمبر 2013، التي أستشهد فيها مئات من أبناء وبنات الوطن، استجابة لنداء ثورة تفجرت بغضب الشعب، وحينما وصل إلى حد الاختناق من الظلم والقهر، قرر استعاده ثوريته، فواجه نظام “الإنقاذ” الطاغية، المستعد للجوء للعنف إلى ما لا نهاية، فكان الرصاص والدم.
سبتمبر كانت الثورة الأكبر في عهد “الإنقاذ” وكادت أن تأتي أكلها، بالرغم من وحشية النظام الذي مارس القتل بدم بارد، إلا أن فقدان التنظيم وغياب القيادة أقعد الثورة من أن تكمل دورتها بانتهاء النظام، الذي شرع قادته في البحث عن أطواق النجاة من المحاسبة بالهروب من البلاد. جاءت ذكرى سبتمبر ولهيب الثورة يشتعل، ومازالت شجرة النضال تُروى بدماء الشرفاء الذين اختاروا المواجهة انتصاراً لكرامة الشعب، “منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”.
تظاهرات معسكر كلمة التي تزامنت مع ذكرى ثورة سبتمبر قصدت تذكير البشير(الرئيس السوداني عمر البشير) بأنه “عنوان المأساة ” لضحايا الحروب خاصة والسودانيين عامة، إلا أن سذاجته جعلته يفشل في محاولاته الاستفزازية بشأن كسر طوق بوابة المعسكر، الذي ظل يقدم الشهداء من حين لآخر انتصاراً لكرامته إنسانه الذي أرهقته الحرب، ويتكأ على قصص تراجيدية كُتبت بدماء ضحايا سياسة الأرض المحروقة، التي وضعت البشير في قائمة المطلوبين لدى المحكمة الدولية الجنائية.
بذات السذاجة يختزل البشير معركته الدبلوماسية لكسب رضا المجتمع الدولي بزيارة لمعسكر “كلمة”، حتى يعلن شهادة وفاة الأزمة في دارفور، لأنه يتشوق لسماع قرار رفع العقوبات الأميركية، إلا أن السحر انقلب على الساحر، أصبح قرار رفع العقوبات هدفاً بعيد المنال، بعد المجزرة التي ارتكبها النظام في “معسكر كلمة”، ووجدت تفاعلاً إعلاميا في ظل الحملة الكبيرة التي نظمها الناشطون والحقوقيون في وسائل التواصل الاجتماعي، تضامناً مع الضحايا.
لا شك أن مجزرة معسكر “كلمة” وضعت وزير الخارجية إبراهيم غندور في موقف لا يحسد عليه مع المسؤولين الأميركيين الذين أرسلت لهم تقارير مفصلة عن أحداث “كلمة”. غندور ظن أنه يمضي بخطوات ثابتة نحو اقناع الإدارة الأميركية برفع العقوبات إلا أن أحداث معسكر “كلمة” جعلته يترنح في الخطى، قطعاً هذه الأحداث تُعد مبرراً كافياً يدعم بعض أعضاء الكونغريس، الذين يناصرون قضايا السودانيين بموقفهم الرافض لرفع العقوبات الأمريكية.
تمر علينا ذكرى سبتمبر والنازحون بمعسكر “كلمة” يقدمون دروساً في النضال في مواجهة البشير الذي توهم إرغامهم على استقباله، تحقيقاً لطموحاته اللاأخلاقية، إذ من الصعوبة بمكان معرفة إلى فصيلة من الطغاة ينتمي البشير، الذي توهم القدرة على زيارة النازحين قسراً في المعسكر الذي يعيشون فيه حياة أشبه بحياة ساكني القبور، بعدما شردهم بلا رحمة، بالقصف الجوي الذي أحرق ديارهم ، وألبسهم لباس المعاناة، و أنتهك كرامتهم الإنسانية، من خلال ارتكاب نظامه جرائم حرب، ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
وها هو البشير حتى يوم أمس يتلذذ بمشاهدة نزف الدماء ، فهو يتقن إراقتها ، كيف لا؟ وإراقة الدماء رفُعت شعاراً للحكم منذ أن سرق حزب “الإسلاميين” الديمقراطية بليل، حيث رددوا “ولترق منا دماء، فلترق منهم دماء، أو ترق كل الدماء”.
*الكاتبة صحافية سودانية مقيمة في الولايات المتحدة