قصة مدهشة من الواقع السوداني صانعة المأكولات الشعبية وضابط الشرطة
أبوعاقله أماسا
- ضاع منها زوجها في زحام العاصمة وتركها مع ستة من الأطفال الزغب، تحمل معهم هموماً كالجبال لتعولهم وتعليمهم وتوفير المأوى لهم، فهي لا تعرف أين ذهب والدهم.. وهل هو على قيد الحياة أم انتقل، طرقت كل الأبواب فوجدتها موصدة تماماً، لم تترك مكاناً لم تسأل فيه عنه، وبعد أن فقدت الأمل قررت أن تواجه حظها العاثر وتهزمه بالإصرار والعزيمة، قررت أن تبحث عن عمل حلال توفر منه المأكل والمشرب والملبس، وتدفع منه إيجار البيت الذي يأويهم في ذلك الحي الهامشي.. لم تجد إلا أن تدخل معترك السوق، وتستغل براعتها في صناعة المأكولات البلدية وتفتح مطعماً على قارعة الطريق..
- بدأت عملها بجد واجتهاد، ورزقها الله بما يكفي لدرء المسغبة، فدرجت على البكور في العمل والسعي، وأخذ رواد مكانها في ازدياد، تصنع العصيدة والكسرة وتطبخ أنواع الملاح المختلفة وتحمله إلى السوق لتقضي من الساعة الثامنة والنصف حتى الحادية عشرة، وأحياناً تخلص قبل ذلك فتجمع أشياءها سريعاً لتعود إلى أبنائها..
- كانت الأمور تسير بصورة عادية حتى داهمها ذات صباح رجال المحلية في حملة قيل إنها لحفظ النظام في السوق رجال المحلية ومعهم قوة من الشرطة يقودها ضابط برتبة نقيب، صادروا أشياءها وأذلوها فقررت أن تقابل كبيرهم هذا النقيب.. وعندما ذهبت إليه وجدته شاباً في مقتبل العمر، بدأت تترجاه وتحكي له ظروفها ولكنه انتهرها بفظاظة أجبرتها على البكاء، رفعت يديها إلى السماء داعية رب السماء وبصوت مسموع قالت: أنا ما بدعي عليك بي شر.. والا حاجة تضرك.. لكن أسال الله لو انت ما متزوج تزوج… وزوجتك تملاك عيال.. وما تلد إلا تيمان تيمان… عشان تعرف التربيه والمسؤولية كيف؟ وذهبت من المكان مكسورة الخاطر لتبحث عن ساحات أخرى للنضال فأبناؤها في انتظارها، ولا وقت عندها لتندب حظها وتنتظر..
- مضت (خ) في دروب الحياة في صبر وجلد، واستأجرت دكاناً في أحد الأسواق وفتحت مطعماً للمأكولات البلدية، فجرت الأرزاق وفيرة، وكانت حريصة على تعليم أبنائها والمحافظة عليهم، مرت سنوات لا تقل عن سبع سنوات تعاقبت فيها الفصول والظروف ما بين المعاناة والرهق والقناعة، وذات يوم احتاجت البنت الكبرى إلى استخراج الرقم الوطني؛ لأنها مقبلة على امتحانات مرحلية، فذهبت معها، وبدأت المشاكل والصعوبات تترى، أولاً ضرورة حضور الوالد أو من ينوب عنه، وكثرة الطلبات والإجراءات البيروقراطية.. وأحياناً التعامل الفظ ممن هم على منافذ الخدمة، فقررت مقابلة المسؤول في المكان لعله يسهل عليهم.. فسألت من مكتبه فذهبت واقتحمته… كانت تنتظرها مفاجأة هناك.. انتفض الرجل المسؤول من مكانه وصاح فيها: يااااا (خ)… ما معقول.. دي انتي؟.. ذهلت المرأة ولكنها استدركت سريعاً أنه ذلك النقيب الذي انتهرها في السوق، ودعت ربها أن يرزقه الذرية حتى يعرف ضيق الحاجة والمسؤولية..!!
- أصر عليها المقدم شرطة أن تجلس، وأمر أحدهم بالضيافة، ونادى على رفقائه وحكى لهم قصة هذه المرأة ودعوتها له… وقال: كنت وقتها متزوج للتو، فرزقني الله بالتوأم الأول ففرحت.. ومرت أقل من عامين حتى أنجبت زوجتي توأم من البنات مرة أخرى.. وبعد فترة أخرى رزقت بتوأم ولد وبنت… وقبل شهر من الآن رزقت بتوأم ولدين، وفي كل مرة كنت أتذكر هذه المرأة ودعوتها في ذلك الموقف.. خاصة مع صعوبات الحياة وتراكم المسؤوليات.. اندهش الحاضرون لهذه القصة، وعبر كل منهم بطريقته.. فأبطال القصة كلها حاضرون أمامهم.. زوجة مكافحة ومناضلة من أجل تربية الأبناء ورجل أراد الله أن يعلمه درساً عملياً بأن دعوة المظلوم مستجابة.. فبدأ يسأل نفسه: ماذا لو كانت هذه المرأة قد دعت عليه بالشر؟
- المهم.. ذلل الرجل ل(خ) كل معاملاتها، وطلب منها إحضار بقية أبنائها لاستخراج أرقامهم الوطنية حتى لا تواجههم مشكلة في المستقبل..!!
- هذه القصة حقيقية وكل أبطالها على قيد الحياة، وقد تعلم كل منهم الدرس، ومضت الحياة بهم كما رسمها لهم خالق الكون… الرجل الآن مستمر كضابط في البوليس.. والسيدة مكافحة مع أبنائها وقد دخلت الكبرى كلية الطب وشقيقها يدرس الصيدلة، وبقية إخوتهم أيضاً متفوقين في دراستهم في الثانوية، وأصغرهم في خامس أساس..!!
وقف على الوقائع وصاغها أبوعاقله أماسا
