من المعلوم سلفاً أن ما اصطلح على تسميته “المكون العسكري”، بجيشه وجنجويده، قد حسم أمره على تولي “لجنة الأمن والدفاع”. وهو يحاول استنساخ تجربة “مجلس السيادة”، بحيث يفاوض على صلاحيات واسعة للمجلس تشمل اضافة للأمن والدفاع، المخابرات والشرطة والخارجية وبنك السودان. وهو يعلم انها صلاحيات لن يوافق عليها أحد. لكن التفاوض حولها سيضمن له على الأقل كافة صلاحيات الأمن والدفاع. وهناك يمكن أن يحافظ على مصالحه، ويضغط على السلطة حتى تحين اللحظة. لحظة الترشح للانتخابات، او لحظة الاطاحة بالحكومة المدنية – الانتقالية او المنتخبة- بحجة حفظ الأمن. وعلى اسوأ الأوضاع يمكن لمجلس الأمن والدفاع أن يكون دولة موازية الى ما شاء الله.
ورغم ما قيل سابقاً ان حميدتي رفض مقترح مجلس الأمن والدفاع بحجة انه يستبعد شقيقه عبدالرحيم الذي كان يرغب في تصعيده الى مجلس حكم مثل مجلس الشركاء المقبور، الا انه عاد واعلن قبوله بالمجلس بعد فترة. وقال ان المجلس هو فكرة الحرية والتغيير ونحن قبلنا بها فلماذا تهاجموننا؟
تصريحات حميدتي الأخيرة تأتي بعد تقلبات كثيرة، وعقب شقاق واضح بينه وبين البرهان. فهل استشعر قائد الدعم السريع ان حليفه القديم ينوي استبعاده من المجلس ويريد تعظيم حظوظه فيه ليكون شوكة يقبلها المدنيون في ظهر البرهان؟ قد يكون احتمالاً وارداً، لكن لماذا قرر اللعب على كرت “قوى الثورة” بدلاً عن كرت الادارات الأهلية والحركات المسلحة؟ ربما يكون لذلك علاقة بتقارب البرهان مع الحركة الاسلامية، ويقرأ ذلك مع تنويه د. اماني الطويل الباحثة المصرية قبل يوم عن قرب عودة الاسلاميين للسلطة. فتحالف البرهان- كرتي الجديد يمضي بقوة، وحميدتي عدو للطرفين حتى اللحظة. فربما رأى الرجل ان “قوى الثورة” هي السم القدر الحركة الاسلامية. لا يستطيع مواجهة كرتي بالادارة الاهلية. لكنه يحتاج لكسب موقف متعاطف من خصوم الاسلاميين.
وربما – وهو الأقرب الى نفسي- انه يحسن وضعه التفاوضي داخل معسكر الانقلاب. فيهو يبرز لهم انيابه بدقة محسوبة حتى لا يتم التخلي عنه. وفي نفس الوقت يحرج البرهان باعلانه السابق في ٤ يوليو. فان كان هناك خروج من السلطة فسنخرج جميعاً، لن تقذفوا بي خارجها بأي حجة.
هذه قراءات لا تستصحب ثقل التدخل الخارجي طبعاً، لأنه يظل تدخل غير معلوم وخاضع للكثير من التكهنات اكثر من المعلومات.
لكن المؤكد أن هذا التصريح ليس نهاية المطاف. سيعقبه اما توضيح يخفف من وقعه، مما يعني أن رسالته وصلت. أو تأكيد، يعزز فكرة ان الصدام يتصاعد.
وتظل طموحات الشارع في ألا يكون المكون العسكري الحالي جزءاً من مجلس الأمن والدفاع، وحصر صلاحيات المجلس تنتظر. ولعله انتظار يصطدم برغبات دولية او اقليمية لا تمانع -وقد ترحب- بانتقال ثقل المكون العسكري الى المجلس كخطوة تحضيرية لما يليها. او لنقل هو ركل للمعركة الى نقطة اخرى في انتظار تشكل أوضح لموازين القوى.