جمعتني صحيفة “الأهرام اليوم” بالزميل الراحل عبدالله قانون قرابة العامين. كان يعمل محرراً بالقسم الرياضي، وكنت أعمل وقتها بقسم التدقيق، وبحكم أن ورديتي كانت مسائية فكنت أتعامل بشكل مباشر مع محرري قسم الأخبار الرياضية؛ لأنها أخبار ليلية في المقام الأول لارتباطها بالمباريات الكروية داخل البلاد وخارجها.
عبدالله قانون كان المحرر المباشر الذي أتعامل معه، ولفتني منذ البداية بأناقته الطبيعية غير المبالغ فيها؛ وكأنه ولد هكذا أنيقاً ولطيفاً وقريباً من القلب. كما لفتني أيضا بأسلوبه المنظم في تحرير المواد الصحفية قبل تقديمها لقسمي التصحيح والتصميم تمهيداً للنشر، فكنت أجد راحة كبيرة في مراجعة مواد “قانون” سواء أكانت مكتوبة على الورق أو مدونة على “الوورد” ومحولة عن طريق الشبكة الداخلية للصحيفة؛ ففي كلا الحالتين كنت أثق بأنني سأجد كل شيء في موقعه السليم، محرراً جيداً، ومراجعاً تماماً، ومنظماً بتلك الدقة النادرة.
كثيراً ما كنا – أنا وبقية الزملاء – نعبر صالة التحرير الصغيرة المخصصة لعبدالله قانون وزملائه في اليوم الواحد أكثر من مرة، وكثرة دخولنا وخروجنا يعود إلى أن مكتب “الصراف والمحاسب” يقبع وراء الصالة حيث يفصل بينهما باب صغير؛ وخلال هذا العبور المتكرر لا أذكر مطلقاً أنني صادفت “قانون” وهو عابس الوجه، أو وهو في حالة مشادة كلامية مع أحد، أو تبدو على وجهه إمارات التأفف لكثرة من يعبرون من أمامه وربما يشتتون تركيزه في تحرير الأخبار.. كان يهب ابتسامته الكبيرة للجميع، ويرد متطوعاً على الكل حال استفسارهم عن أي شيء يتعلق بمكتب المحاسب والصراف.
بعكس كثير من الصحافيين الرياضيين، لم يكن عبدالله قانون يظهر ميولاً صارخة تجاه فريق بعينه من فرق الكرة السودانية، كان يقدم أخباره وتغطياته الخبرية بمهنية وحيادية كاملة، سواء أكان الفريق هو المريخ أو الهلال أو غيرهما، واتذكر الآن – بدهشة – أنني لم يحدث أن شهدت له مشادة أو مهاترة “كروية” مع أي كائن كان، رغم قدرته على التحليل وتقديم المعلومة وإلمامه بكثير من التفاصيل الكروية.
كان يمضي، هكذا، ضاحكاً ومبتسماً، همه الوحيد أن تخرج مادته الصحفية بالشكل الذي يرضيه ويرضي قراءه قبل ذلك.
ومثلما يفعل كل شيء في صمت وهدوء، تحمل “قانون” آلام المرض فترة طويلة في صبر وجلد لا يليقان إلا برجل مثله. وفي آخر إطلالة له على أصدقائه بموقع “فيسبوك”، هنأ “قانون” الجميع بحلول عيد الأضحي المبارك، داعياً لهم بالمحبة والسعادة، ثم تحسر وتأسف لغيابه قسراً عن الأهل بسبب وجوده بالقاهرة لتلقي العلاج.. كتب في نهاية منشوره:
أردد مع “ود القرشي”:
“عدت يا عيدي بدون زهور
وين قمرنا وين البدور
غابوا عني”
رحم الله الزميل عبدالله قانون، وأسكنه فسيح الجنان.