يقول الله تعالى في سورة الرعد ” أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروابأنفسهم” صدق اللع العظيم. و الأية تؤكد أن التغيير في المجتمع لا يمكن أن يحدث إلا إذا اقتنع أهل المجتمع بوجوب عملية التغيير، رغم أن التغيير عملية تحدث بصورة مستمرة في المجتمع بسبب التطور في العلم و زيادة رقعة المعرفة وسط أفراد المجتمع، كما يقول علماء الاجتماع أن التغيير لكي يحدث في المجتمع يتطلب عوامل جوهرية من أجل ذلك، أولا أن يكون هناك مشروعا معدا لعملية التغيير أي ماهية التغيير. ثانيا أن تكون هناك فئة فاعلة مؤمنة بعملية التغيير داخل المجتمع، ثالثا أدوات التغيير المطلوبة و الأدوات دائما تعبر عن الأهداف المطلوبة من عملية التغيير،رابعا التحديات التي تواجه التغيير، باعتبار أن هناك دائما تكون قوى محافظة تحاول أن تؤمن مصالحها. و التغيير لا يمكن أن يحدث بالصورة السليمة التي تضمن نجاحه، إذا فقدت المجموعة الداعية للتغيير الفكر، و أيضا إذا لم تع العناصر التي تدير العملية الفكرية متطلبات التغيير. لذلك يصبح الإعلام واحد من الأدوات التي تحدث التغيير المطلوب و تعمل من أجل توعية الجماهير، و يحتاج الإعلامي لفهم الواقع الذي يعمل فيه، و إلي قراءة الواقع قرأة صحيحة و معرفة الميكانزمات المؤثرة فيه، و معرفة بالأجيال الجديدة و رؤيتها لعملية التغيير.
أن البيان الذي أصدرته نقابة الصحفيين و قد بينت فيه موقفها من دعوة الشيخ محمد حاج حمد الجعلي ( كدباس) و قالت فيه ” تؤكد النقابة أنها تتطلع لصحافة حرة و مهيمنة في دولة مدنية ديمقراطية، و تدعم النقابة أية جهود تسهم في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، و تشدد على إنها ليست محل للأستقطاب بين قوى الثورة، بحكم مهامها المحددة في تعزيز و دعم التحول الديمقراطي” هذا موقف يتسم بالوعي السياسي باعتبار أن الإعلام يجب أن يبتعد عن الانحياز السياسي و عمليات الاستقطاب التي تدور في المجتمع، أنما يخدم الفكرة الجوهرية ” التحول الديمقراطي في البلاد” باعتبار الهدف هو الذي يحقق البيئة الصالحة للإعلام بكل أنواعه و يخدم عمليتي ( الوعي و الاستنارة في المجتمع) كما يجب على الإعلام أن يفحص المصطلحات السياسية المستخدمة من قبل الأحزاب و المدارس الفكرية حتى لا يقع في دائرة التصنيف السياسي. و مادام الكل موافق على (عملية التحول الديمقراطي) و الديمقراطية تحتاج باستمرار لفلترة المصطلحات لكي ترسخ ثقافتها في المجتمع على أسس صحيحة. و الصحافة لعبت دورا مهما في فترة الإنقاذ لصالح الديمقراطية و القوى المناضلة من أجلها و استطاعت الصحافة أن تخلق وعيا داخل المجتمع لعملية التغيير رغم الحصار الذي كان مضروبا عليها و المراقبة (القبلية) و مصادرة الصحف اليومية التي درجت علها القوى الأمنية، و رغم هذا الحصار استطاعت أن توسع مساحة الحرية بنضالها و توظفها التوظيف الذي يخدم عملية التغيير.
و إذا عرجنا إلي القنوات التلفزيونية السودانية و دورها في عملية الوعي السياسي الذي يجب أن يخدم عملية ( التحول الديمقراطي) نجد حضورا لعدد من القنوات التلفزيونية الأهلية و شبه الحكومية التي تلعب الآن دورا مهما في عملية الوعي السياسي للجماهير، و تحاول أن تفتح أبوابها لكل المجموعات التي تشتبك في صراع سياسي الآن، بهدف تمليك المعلومة الصحيحة للجماهير، و المعلومة تمثل النواة للوعي السياسي، من خلال برامج تكاد تكون يومية تغطي بها العملية السياسية مثالا لذلك ( دائرة الحدث في قناة سودانية 24- حديث الناس في قناة النيل الأزرق – أذاعة هلا 96 برنامج سودان جديد – قناة البلد برنامج مع الأحداث) و أيضا يلعب برنامج ( مؤتمر إذاعي) الذي يبث من الإذاعة السودانية دورا في الحوار السياسي، لكنه دورا خجولا ليس بالصورة المطلوبة في عملية التحول الديمقراطي في البلاد، و أيضا هو برنامج أسبوعي لا يغطى الأحداث بالصورة المطلوبة، خاصة أن الأحداث تتسارع و تحتاج لتغطيات مستمرة، تحتم على الجهاز أن يحول البرنامج من اٍسبوعي إلي برنامج ثلاثة أيام في الإسبوع أو يوميا، و إذا فضل أن يكون اسبوعيا، يجب أن يحدث تغييرا في بنية البرنامج لكي يكون مصدرا أساسيا للعملية السياسية، و مادام هو مؤتمر يصبح مؤتمرا بالصورة المتعارف عليها، مثالا لذلك دعوة أحد الاعبين الأساسيين في صناعة الحدث مثل فولكر أو السفير الأمريكي أو القيادات السياسية السودانية و تحاورهم مع دعوة عدد من رؤساء تحرير الصحف، فهؤلاء سوف يثيرون قضايا مختلفة و متنوعة، لكن المادة سوف تخرج بأسم المؤسسة ( الإذاعة السودانية) و به تلعب الإذاعة دورا مهما في عملية تغطية الأحداث بالصورة التي تجعل ما تقدم يصبح مرجعا للمحللين و الصحافة، لكن مثل هذا العمل يحتاج من الإذاعي أن يفكر خارج الصندق، و الخروج من القيود أن الفعل المهني لا يحتاج إلي أذن من قبل القابضين على مفاصل السلطة، أن الإعلامي يجب أن يكون متمردا على كل القيود التي تفرضها السلطة و تحدد مساره، فالسلطة لا تمنح الحرية بل تقيدها الحرية تؤخذ أخذا، و التمرد دون وعي و قاعدة معرفية يكون انتحارا، أعرف أن الزملاء الإذاعيين يملكون خيارا موارا يساعدهم على عملية الخلق و الإبداع ليس حصرا على المنوعات و الدراما و البرامج أيضا على البرامج السياسية، و لديهم القدرة أن يقودوا عملية التحول الديمقراطي إلى أهدافها المرجوة.
المتابع لقناة ” السودان – الخرطوم” هي القنوات التي تقع مباشرة في قبضة السلطة، نجد أن دورها في عملية الأحداث الجارية في البلاد متواضعة جدا، و هي القنوات الوحيدة التي ليس لها أثر في عملية الوعي السياسي، بل تحاول أن تظهر أنها ترضي السلطة الحاكمة بشتى الطرق، و في ذات الوقت تخسر الجمهور المنادي بالعملية الديمقراطية، و الذي ذهب للبحث عن المعلومة في قنوات أخرى، كانت فرصة ثمينة جدا للإدارة الحالية في (الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون) أن تستفيد من مساحة الحرية المتوفرة في تغير منهجها من أجل مصلحة عملية ( التحول الديمقراطي في البلاد) أن تكون قبلة، و مكان للحوار بين التيارات الفكرية المختلفة و المتنوعة، و أن تخلق وعيا جديدا في المجتمع يتماشى مع متطلبات عملية تحول الديمقراطي، غير مطالبة أن تنحاز لفكرة ضد الأخرى، أو تقف مع جانب ضد الجانب الأخر، لكن تلعب دورها بمهنية عالية جدا، و لا يستطيع الإعلامي أن يلعب هذا الدور إلا إذا أمن شخصيا بعملية التحول الديمقراطي، الإيمان سوف يجعله ينتج ثقافة ديمقراطية تنداح على الثقافة الشمولية المتراكمة منذ استقلال السودان. و القضية ليس أن تأتي بشخصين لكي يتحاوران في موضوع تهدف من ورائه أن تؤكد للناس أن القنوات و الإذاعة تغطي الأحداث، لكن المطلوب أن يكون للفعل أثرا إيجابيا في الحراك السياسي. مثلا الحوار الذي أجرته جريدة التيار مع السفير الأمريكي، أن يجري المؤتمر الإذاعي حوارا يهدف توضيح إضاءات مهمة، من خلال حوار بين الأكاديميين في الفكر السياسي و دبلوماسيين و سياسيين مع مراعات حضور وجهات نظر مختلفة، هذا العمل يسهل عملية الفهم السياسي، إذا كانت سلبا أو إيجابا، و هذه تحتاج لجرأة من الإعلامي لا ينتظر تكليف من الإدارة. إجراء حوار مع العسكر منفردين ، و أخر مع القوى المدنية تطرح فيه أسئلة غير تقليدية جريئة،
أن مشكلة الإعلامي الذي ينتظر توجيهات من القيادة السياسية في الدولة، لا يستطيع التفكير خارج الصندوق، و في ذات الوقت يقدم للقيادة سلطة على الإعلام يجب أن لا تملكها، رغم أن المطلوب أن تنتظر القيادة السياسية رؤية الإعلام الفقهية السياسة في القضية المطروحة. و الإعلامي الذي لا يستطيع أن يتحرر من قيود السلطة السياسية يعطل ثلاثة أرباع قدراته الإبداعية، و يصبح بوقا تابعا للسلطة يردد ما تقوله دون وعي. أن التصور للعمل الإعلام يجب أن ينبع من فكرة الحرية التي تمثل الأرضية الجوهرية للإبداع، و ليست عملية الانحياز لجهة دون الأخرى، الآن الذي يجري في ( قناة السودان – الخرطوم ) محاولة لكسب رضى السلطة القابضة، و هذه السلطة سوف تتغير و هذا يؤكده بيان رئيسها في 4 يوليو الماضي إبتعاد العسكر عن العملية السياسية. و كان على القيادة في هذه الفترة أن تحدث تغييرا جوهريا في السياسة التي يجب أن تتخذها (الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون) أن تجعل من الهيئة صرحا إعلاميا مهما أن تؤسس مثلا ( المنبر الحر للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون) أن تخصص يومين في الإسبوع للمنبر و تستضيف فيه القوى المؤثرة في الشارع السياسي و أيضا أعضاء النادي السياسي من الدبلوماسيين الأجانب في الاتحاد الأوروبي و الترويكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و السفراء السودانيين و غيرهم، و تدعو رؤساء تحرير الصحف، إلي جانب شخصيات سياسية لها تأثيرها في العمل السياسي، في حوار منتج و ليس حوارا ينتهي أثره بنهاية الحوار. نواصل – نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com