احتضن مركز العز بن عبد السلام الثقافي للدراسات العربية الإسلامية الأفريقية في مقره الدائم بالخرطوم بحري – في ضاحية شمبات – يوم السبت الأول من أكتوبر 2022م محاضرة جديدة تحت عنوان “الأمراض والأوضاع الصحية في السودان القديم من خلال المكتشفات الأثرية” قدمها البروفيسور عبد الرحيم محمد خبير مؤسس قسم الآثار بكلية العلوم الإنسانية بجامعة بحري، ومؤلف كتاب”من تاريخ السودان الحضاري، شواهد أثرية وتاريخية”.
قال المحاضِر إن علماء الآثار اهتموا بالصحة والأمراض منذ بواكير العمل الآثاري منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وظهر ما عرف بعلم الأمراض القديمة، وهو العلم الذي يهتم بدراسة الأمراض القديمة وتاريخها، ويتداخل هذا العلم مع كثير من التخصصات الأخرى مثل علم الآثار والعلوم الطبيعية وغيرها.
وأضاف خبير أن التقنيات الأثرية قد كشفت عن معلومات ثرّة تتعلق بالأمراض وأوضاع الصحة العامة في تاريخ السودان القديم. وتحدث المحاضِر عن مملكة كوش الأولى – كرمة (2500 – 1500 ق . م) وهي تمثل أول دولة في السودان القديم وأفريقيا جنوب الصحراء، وقد ظهرت أربعة أمراض خلال فترة كرمة القديمة، أولها الأمراض البكتيرية “السل” بسبب الفقر وسوء التغذية وشراب السوائل والألبان غير المعقمة، وثانيها الأمراض الأيضية (الأنيميا)، والأمراض الصناعية (الكسور)، وأمراض الأسنان.
وقال المحاضِر – في معرض حديثه عن مملكة مروي 900 ق.م – 350م إنها تمثل مملكة كوش الثانية، وامتدت في بعض فترات التاريخ لتحكم وادي النيل طراً، وأورد المحاضر نماذج للأمراض التي كانت سائدة في هذه المملكة : الأمراض البكتيرية “السل” والتشوهات الخلقية، والأمراض الصناعية “كسور العظام”.
أما في عصر المماليك المسيحية (546 – 1504م) فقد استمرت الأمراض البكتيرية “السل”، والأمراض الصناعية (كسور العظام)، كما ظهرت أمراض أخرى (الأورام والسرطانات ربما نتيجة الأوضاع البيئية السيئة).
وتناول المحاضر الأوضاع الصحية لسكان الكوّة – جنوب دنقلا بنحو سبعة كيلو مترات – قائلاً إنه تم استخراج ما يقارب نحو سبعين شخصاً من الجبّانة الشرقية لمدينة الكوّة المروية، ومن الجليّ أنهم عاشوا بالمدينة خلال القرون الأولى الميلادية، ولوحظت الإصابة بكسور العظام لدى كثير من البالغين، ولا تظهر الهياكل أي أثر للعنف الجمعي.
كما تناول المحاضر الأوضاع الصحية لسكان عمارة غرب حيث انتشرت فيها أمراض مثل الدرن “السل” وأنواع كثيرة من الحمى. وهناك حالات عدّة متعلقة بأمراض الجهاز التنفسي ووجود بعض حالات السرطان.
وقال المحاضر إن العلاج لتلك الأمراض خلال تاريخ السودان القديم وإبّان حقبة السلطنة الزرقاء (1504 – 1821م) وهي أول المماليك الإسلامية في السودان – ارتبط بتعاطي الدواء الشعبي، أو ما يعرف في عصرنا الحاضر بالطب البديل.
وجرت مناقشات كثيرة ومفيدة من الحاضرين.