الدراسة الجديدة للدكتورة سامية بشير دفع الله – استاذة التاريخ بجامعة الخرطوم – التي صدرت هذا العام ٢٠٢٢بعنوان (البجة وشرق السودان في العصر التاريخي القديم) تكمن أهميتها في إنها دراسة تنطوي على خلاصات منهجية ومعرفية مهمة، لأنها من تلك الدراسات التي تتوخى معرفةً دقيقة، وتبحث عبر المقارنات والراويات وآراء العلماء والباحثين عن منهج معرفي يقدم نتائج رصينة للبحث عن تاريخ البجا، وفقط من موقعها كعالمة وباحثة معروفة في التاريخ والتدريس بجامعة الخرطوم، والعديد من الجامعات.
ومما جاء في دراسة الدكتورة سامية بشير دفع الله الجديدة عن البجا يدل بوضوح على أن أراضي بني عامر داخلةضمن أرض شعب ” المدجاي” التاريخية بما في ذلك منطقة شرق دلتا نهر القاش.
حيث تقول الدكتورة سامية في دراستها الجديدة : ” البجا الشماليون ينتشرون في الصحراء الشرقية السودانية، أما مواطنهم الجنوبية فتقع اليوم في ديار البني عامر شرقي دلتا القاش. ولاشك أن هذه المنطقة ذاتها سكنها شعب المدجاي المذكور في النصوص المصرية من هذه الفترة” – صفحة ٢٣ من الدراسة. كما ذكرت د. سامية في دراستها أن أراضي البجا الجنوبيين هي موطن “التروجلديت”
وتورد الدكتورة سامية بشير في دراستها أسماء لقبائل بجاوية من سكان صحراء البجا الشرقية الواقعة بين النيل والبحر ، فتذكر منطقة ” أشاك ” التي جاء منها وفد من المدجاي، وتطرح الدكتورة الى جانب اسم أو “أشاك” صيغة هي ” أوشيك” وفي تقديرنا أن “أشاك” هو الأقرب للدقة، حيث ورد اسم ” عد أشاك ” التي تعني” آل أشاك” كاسم قديم ورد في أشعار شعراء لغة التقراييت القدامى كالشاعر محمد عيون عجيل الذي له قصيدة يذكر فيها أسماء القبائل القديمة التي استوطنت بعض مناطق جنوب طوكر فيذكر “طهو ونهو ” ويذكر ” أشاك”. كما تذكر الدكتورة سامية وجودا في نقوش لبعض ملوك نبتة لاسم ” مدد ” أو ” مدى ” وهي قبائل كانت تسكن الصحراء المجاورة لكوش .وهناك ذكر لاسم ” الخاستايو” كقبيلة من قبائل صحراء البجا والأسماء الثلاثة التي وردت كمكونات بجاوية قديمة في دراسة د. سامية بشير توجد أسماء تشبهها في قبائل الناطقين بالتقراييت بين قبائل بني عامر والحباب اليوم مثل قبائل : الهاسا – الألمدا – عد أشاك، فالألمده هي اليوم أكبر قبائل بني عامر الناطقة بالتقراييت وهي قبيلة بجاوية قديمة جدا، فلا يبعد أن تكون هناك علاقة بين اسم القبيلة البجاوية القديمة ” مدد” وبين قبيلة الألمده الحالية.
كما أن الرحالة والمؤرخ العربي ابن حوقل في كتابه ” صورة الأرض ” كان قد زار أرض البجا عام ١٠٣٥ (قبل ألف سنة تقريبا) وذكر أن من قبائل البجا قبيلة تسمى ” الماتين “
وبما أن الألمده تعتبراليوم أكبر قبائل بني عامر قاطبة، فقد لايبعد أن تكون هناك قرينة تاريخية قوية تدل على أن ثمة علاقة في الاسم بين قبيلة ” مدد” – التي كانت تغير على نبته من الصحراء الشرقية- من حيث الاسم والمكان والهوية البجاوية؛ وبين قبيلة ” ألمده” البجاوية الحالية، لاسيما وأن مستر بول يرى: أن الدماء الحامية في البجا الجنوبيين مثل ” الألمدا والأسفدا” – رغم لغتهم السامية – هي أكثر نقاءً منها في عروق البجا الشماليين ” البشاريين – الأمرأر ” الذين اختلطوا بأعراق أخرى. وهو أيضاً رأي نقلته د. سامية عن مستر بول في دراستها المذكورة .