بدأ الكوتش امين زكي يحدثنا عن خلفيات الهجرة الاخيرة والنافرة لصديقه العزيز وزميله في ملعبي الهلال والمنتخب الوطني الكابتن سبت دودو، كان أمين زكي قلب دفاع ذلك الحارس أي اللاعب الأقرب اليه في كل مبارة:
١- في النصف الأول من السبعينات كانت القوات المسلحة السودانية في حالة توسع وتجنيد مستمرين واستقطاب للكفاءات الوطنية في مختلف التخصصات الموجودة في الجيش. كان الإقبال على ذلك يتم طوعا او بالاتصال المباشر والاقناع وكنت من هؤلاء بعد أن جاء موعد اعتزالي للكرة، يقول امين. كان كل من يتم اختياره يخضع للكشف الطبي ثم التدريب العسكري النظري والميداني الذي يتناسب مع سن المترشح ورتبته التي سوف يكون عليها ويستمر هذه التدريب للبعض شهرين ولاخرين ثلاثة أشهر وهكذا حتى يبلغ لبعض الملتحقين ستة أشهر، والحديث هنا عن اصحاب الوظائف المدنية المتحولين إلى سلكها في العسكرية.
٢- يقول امين زكي انه تخرج في المدارس الثانوية (أظنه في المساق التجاري أن صح التذكر) وعمل بعدها في التعليم إلى جانب نشاطه الكروي، وعندما التحق بالجيش بعد اعتزاله عالم كرة القدم بحكم السن كان نصيبه رتبة النقيب (ثلاث نجمات) في الشؤون الإدارية قسم المحاسبة وايضا في فرع التوجيه المعنوي.
٣- كان الكابتن والكوتش سبت دودو وقتها في نفس رتبة النقيب التي حصل عليها امين ولكن سبت بلغ تلك الرتبة بعد خدمة متصلة وطويلة في الجيش بدأها جنديا من الصف وسار بها رتبة اثر رتبة حتى بلغ “النقيب” خلال ٢٥ عاما تقريبا من الخدمة العسكرية التي التحق بها في عمر يقل عن العشرين (أواخر الاربعينات) ودعم بروزه وانجازه الرياضي ارتقاءه في خدمته العسكرية.
٤- بسبب نجوميته الكروية التي أشرقت مع استقلال السودان لم يكن الكثير من محبي الرياضة يعرفون بأن سبت دودو هو عسكري بالمهنة (مشاة سلاح المهندسين) وانه واحدا من منتسبي الجيش، ولكن لا يبدو أن أحدا قد شاهده في زيه العسكري.
٥- بسبب نجوميته الكروية كذلك في ناديه وفي المنتخب الوطني كان سبت دودو كثير الاسفار والالتحاق بالمعسكرات وكان الجيش يسمح بذلك قانونا بل ويدعمه لانه -على الاقل- يحافظ على لياقة المجند، وهذا الأمر جعل لسبت دودو دورا قياديا في فرع الرياضة العسكرية حينما نقل اليه بعد أن تأسس في مطلع السبعينات وتفرغ هو للعسكرية.
٦- استمرت الأمور هادئة وتسير بانتظام بعد اعتزال سبت دودو وانحسار أضواء وزخم النجومية عنه وتفرغ هذه السنوات بشكل كامل لخدمته في (قوات الشعب المسلحة).
٧- كان سبت دودو -بحسب امين زكي- محبا للعسكرية بدرجة لا توصف كحبه لكرة القدم وبعد تفرغه لها كان قمة في الانضباط والأداء وهو في تلك الرتبة قبل الوسيطة وخلفه حوالي ٢٥ عاما من (الخدمة الطويلة الممتازة) التي تسمت بها احد انواط التكريم في الدولة. كان سبت طموحا وحريصا أن يبلغ بمهنيته العسكرية أعلى المراتب القيادية الممكنة وبدا انه كان واثقا من هذا.
٨- من المعروف أن من أهم شواغل المنتسبين في الجيش هو الترقي في الرتب، وكان للجيش -نظنه وما زال- نظاما متبعا وراسخا في طرق الترقي خاصة في صفوف الضباط، تتحكم فيه اولا الاقدمية في الرتبة ثم اجتياز حواجز دورات الترقي والتي غالبا ما تكون امتحانات نظرية ودورات ميدانية وأخرى انعاشية في استخدام السلاح لبعض الافرع غير المرتبطة بالاستخدام الوظيفي السلاح .. الخ
٩- كنا -والحديث للكابتن امين زكي- قد بلغنا حاجز الترقي لرتبة الرائد انا وسبت دودو في وقت واحد في الجيش وقمنا باجتياز كل تلك الدورات التأهيلية للترقي وقليل جدا ما يفشل ضابط في اجتيازها فهي مصممة بحسب نطاق عمل سلاح الضابط المرشح.
١٠- رفعت الأسماء من كل وحدات القوات المسلحة في موعدها المحدد إلى مكتب شؤون الضباط بهيئة الإدارة في قيادة الجيش في انتظار أن ترسل إلى مكتب القائد العام للقوات الشعب المسلحة للمصادقة النهائية عليها.
١٠- جرت العادة انه ما أن تتم مصادقة القائد العام على قوائم الترقيات المرفوعة اليه (تشمل كل الرتب في سلك الضباط) الا وتعلن مباشرة في كل وحدات الجيش بالسودان ويقوم المترقي على الفور بارتداء كتفية “ازبليطة” الرتبة الجديدة بإضافة النجمة التي عمل لها ويتوق اليها، وكان هذا الامر معتادا ويحدث بلا مراسم.
١١- أثناء ولايات حكمه، اعتاد رئيس الجمهورية جعفر محمد نميري أن يتولى بنفسه مهام القائد العام للقوات المسلحة رغبة منه في الاطلاع على احوالها من داخلها كما تبينا عنه. رصد الكاتب ذلك في مرجع عسكري منشور ووجد أن الرجل قد تولى منصب “القائد العام” للجيش أربعة مرات خلال فترة حكمه (١٦ عاما) لمدة اجمالية لم تزد عن أربعة أعوام. (*القائد العام غير القائد الاعلى).
١٢- عندما قامت هيئة الإدارة برفع كشف الترقي السنوي لكافة الضباط في وحدات الجيش تصادف أن كان القائد العام في تلك السنة (اواخر ١٩٧٦) هو الرئيس نميري شخصيا.
١٣- قام القائد العام للجيش بالتوقيع على كل كشوفات الترقي المرفوعة اليه من هيئة الإدارة في الجيش جملة دونما اي استثناء او تعليق سوى “مبروك للضباط”، ألا ان اسم “النقيب” سبت دودو لم يكن في تلك القوائم التي تؤهله لأن يكون “الرائد” سبت دودو، وبدأت العاصفة، فماذا حدث؟
غدا نكمل القصة في حلقتها الثالثة والأخيرة.
الصورة: بحثنا ولم نعثر على اي صورة متاحة للكابتن سبت في زيه للعسكري.