▪️ لاتندهشوا فقد نشرنا ذلك مانشيتا رئيساً في صحيفة السوداني في أحد أيام العام 1988 بعد نكبة السيول والامطار التي تسببت في تدمير عيادة أميز أطباء السودان وأول طبيب مغامر يفتح عيادته الخاصة منذ مطلع الخمسينات لينافس الأطباء الأجانب.. بل كان هو الطبيب الخاص للسيدين السيد علي الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي والمشرف علي الرعاية الطبية لاسرتيهما..وهو نفسه الطبيب الخاص للسيد عبدالمنعم محمد ..إنه المرحوم دكتور ادهم صاحب العيادة المواجهة لمقابر اليهود في الخرطوم والواقعة على شارع الحرية حتي وقت قريب..
▪️ كان حواري مع دكتور أدهم بدوافع انسانية لمواساة طبيب كتب على حائط عيادته بخط واضح وكبير يقرؤه المارة بسهولة ( من عنده يعالج والفقير يعالج ويعفى ويعطى ويزاد… ) .. نزلت من البص القادم من ضاحية جبرة حيث كنت اسكن والمتجه إلى السوق العربي الخرطوم عندما توقف في المحطة التي تحمل اسم دكتور ادهم ربما أسموها؛ لأن عيادة الدكتور من اقدم البنايات والمعالم واقربها للمحطة.
▪️ كان رجلاً فارع الطول اسحما كما انا (اسود البشرة) تقرأ فى ملامحه الوقار والخبرة والاناة، وقد زادته نظاراته السميكة ما يوحي لك ان هذا الرجل شديد الذكاء، ويحتفظ فى دواخله بمواهب متعددة. كنت واثقاً ان من اقف امامه وهو دكتور ادهم نفسه، وكانت عبارات التعريف التي تكرم بها الشاب الانيق تصل إلى اذني لتأكيد صحة ما ادركت اي انني امام دكتور ادهم وجها لوجه لأكتشف حالاً ان الشاب الذي استقبلني ثم تكرم بالتعريف هو ابنه اشرف..
▪️ لم اكن اعلم ان المصادفة وحدها هي التي وضعتني امام رجل مدهش بل خزينة اسرار…فتجاوز حواري معه حكاية العيادة والعلاج المجاني وحتى ما احدثته الامطار… فقد هالني ان يكون الرجل نفسه هو دكتور ادهم الذى يعد ثالث سوداني يدرس الطب، بل واول طبيب سوداني يزاحم الاطباء الاجانب ليفتح عيادته الخاصة فى الخرطوم…ثم ليقودنا الحوار ليتضح لي أنه هو الطبيب الخاص للسيدين علي الميرغني وعبدالرحمن المهدي فى ذات الوقت، والمشرف على الرعاية الطبيبة لأسرتي السيدين.. ورغم قربه من أصحاب القداسة ورعاة السياسة كان عازفاً بارعاً علي آلة الكمان، وهو صاحب فكرة اتحاد الفنانين.
▪️ولعل ثمرة الحوار كانت في تأكيده أن الامام المهدي كان اتحادياً قبل دعاة الاتحاد مع مصر، وكانت الادلة التاريخية التي تحدث عنها دكتور ادهم مقنعة جداً… فقد قال بالحرف الواحد نعم الامام المهدي كان اتحادياً، وأتحدى من ينفي ذلك… اليس هو من حرص ألا يقتل أتباعه غردون حتى يقايض به للإفراج عن عرابي فى مصر؟ ثم اليس هو من فكر فى ان يكون اول جيش عابر لحدود السودان متجهاً إلى مصر لتوحيد وادي النيل، وبسط سيطرة المهدية، وواقعة توشكى في اقصي الشمال تؤكد ان المهدي كان اتحادياً…
▪️وقد كانت المفاجأة التى الحقناها بالمانشيت فى خط فرعي تأكيده ان السيد عبدالرحمن المهدي لا علاقة له بحزب الأمة، وأن حزب الامة يقف وراء فكرته عبدالله خليل بك ..
▪️لا شك أن النسخة التي حملت الحوار ترقد في دار الوثائق السودانية. وقد كان المرحوم صلاح عبد السلام الخليفه وزير رئاسة مجلس الوزراء يسرع باكراً، وبتوجيه من السيد الصادق المهدي إلى عيادة الدكتور ادهم لنتقابل هناك، ويعرفني به دكتور ادهم، ثم ليحضنني الوزير قائلاً : أنت صاحب الحوار الزلزال… ابشر فقد أثمر فى حينه، وانا الآن وبتوجيه من رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي لإنقاذ دكتور ادهم لاأه من كنوزنا القومية.. وقد تم التصديق له بمجمع طبي متكامل.
▪️ مناسبة كل ماذكرنأ آنفا الحوار المنشور بصحيفة التيار مع دكتور منصور خالد، الذي كشف فيه ضعف مواقف القادة الوطنيين، فى إشارة إلى سيطرة العواطف على الحركة السياسية منذ الاستقلال…مما يثير تساؤلاً جريئاً هو: كيف يتخلّص السودان من سيطرة العواطف على صناع سياساته؟ وما السبيل إلى معالجة هذا المرض المتوارث الذي أفقد السودان كثيراً من كنوزه واراضيه وهيبته؟
mhgoub33@gmail.com