ورحل “صقر افريقيا” الكابتن النجم سبت دودو (٣ من ٣): تفلّت الضابط وخذلت النجومية الرياضية مُراد العسكرية فكانت المغادرة الفارقة للنقيب واللواء
نميري- سبت - فيليب غبوش
حافظ الأمين
- بعد الاعتذار عن التأخير ليومين في نشر هذه الحلقة الثالثة والاخيرة نقول، انتهينا في الحلقة الثانية بالكوتش امين زكي وهو يحدثنا عن خلفيات الهجرة الاخيرة والنافرة لصديقه العزيز وزميله في ملعبي الهلال والمنتخب الوطني الكابتن سبت دودو وقصة الترقية العسكرية من رتبة النقيب إلى رتبة الرائد لكليهما (امين وسبت)، يقول امين زكي:
١- توافدت كشوف الترقيات للمسؤولين من كل وحدات الجيش إلى مكتب القائد العام للجيش في ذلك التاريخ وصادف أن كان هو في ذلك التوقيت اللواء جعفر نميري شخصيا.
٢- كانت الكشوف الواردة يتم إعادة طباعتها يدويا بواسطة الطابعين (تايبيست) الموجودين في إدارة شؤون الضباط لتكون كشفا تراتبيا واحدا ومصنفا يتم الحاقه بخطاب القائد العام للجيش طلبا للاعتماد النهائي.
٣- لخطأ وسهو من قبل ضابط الصف الطابع في شؤون الضباط سقط اسم النقيب سبت دودو من الكشف العام والموحد للضباط المترقين من أجل مصادقة القائد العام عليه حسب النظام المتبع، ليبدأ بعده كل مترقٍّ في ارتداء علامات رتبته الجديدة والتي تعتبر في ذلك الوسط عنوانا لجدارته العلمية وفلاحه الميداني في خدمة رتبته السابقة.
٤- ذهب الكشف إلى مكتب القائد العام للجيش من غير اسم سبت دودو وقام باعتماد القوائم والتوقيع عليها كاملة وتم تعليق الكشف من بعد على لوحات وحدات الجيش بعد اخطارها، ومن ثم بدأ الضباط المترقون في ارتداء كتفيات رتبهم الجديدة ومنهم محدثنا الكوتش امين والذي صار منذ ساعتها “الرائد” امين زكي.
٥- لم ينتبه احد في هذه المرحلة الاخيرة من مسار الاجراء إلى ذلك الخطأ الفني المحتمل كما تبين لاحقا ومعالجته في حينه قبل رفع الكشف للمصادقة عليه، فالمترقون كانوا يعلمون سلفا بأنهم سوف يترقون من واقع نتائج اداءهم في امتحانات الترقي، انهم فقط ينتظرون هذا الإعلان ومنهم النقيب سبت دودو.
٦- فوجئ سبت دودو بعدم وجود اسمه في الكشف المعلن بينما الجميع منهمك في التبريكات والتهاني التي عمت الوحدات فشعر بالخذلان والألم لما حدث وحدثته نفسه بأن عدم ترقيته هو أمر مقصود ويمثل استهدافا شخصيا له بسبب من أصله وانتماءه حتى لا يواصل ترقيه في سلم القيادة العسكرية التي قضى فيها حتى ذلك اليوم قرابة الثلاثين عاما ولم يرد في خاطره مطلقا أي فرضية للخطأ والسهو في الذي حدث، فهو يعلم مثل غيره هامش الاحتمال النادر للخطأ في هذه الأمور بالجيش خاصة في شأن يختص بخطابات وقوائم موجهة إلى مكتب القائد العام.
٧- اقنع سبت نفسه بمفهوم “الاستهداف” ولم تسعفه كل تلك النجومية التي تمتع بها لاعبا وعضوا في مجتمع اهلي عاصمي لم يغادره منذ مولده ولم يُعرف له انتقالا لأي وحدة عسكرية خارج وحدات الجيش في العاصمة. هنا بدأت الوسوسات التي كان يترسمها ويبثها باشارات جاهلة وخبيثة احد جهابذة العنصرية السياسية العائدين إلى البلاد ذلك العام (١٩٧٦) من يوغندا، ألا وهو زعيم جبهة جبال النوبة (تأسست كحزب سياسي قبل قيام ثورة ٢٥ مايو ١٩٦٩) القس المسيحي الكاثوليكي (الأب فيليب عباس غبوش) تأخذ طريقها إلى تفكير سبت دودو، فهل كان سبت مسيحيا؟ لا علم للكاتب ولا تأكيد، فلربما كانت رابطة الانتماء الجهوي تكفي لتأثر الكابتن سبت بذلك السياسي الخارج.
٨- كان من التعليقات المسمومة التي قرأناها للأب العائد فيليب في صحف السبعينات بعد ان اقنعته الحكومة بترك الخارج والعودة للبلاد هي قوله أن ابناء جبال النوبة مستهدفين ولا مجال لهم في الارتقاء في سلك الدولة وأن مكانهم دايما “ورا”، وأنهم حتى في فرق الاوركسترا ذات الآلات الحديثة الصقيلة لا يُمثَّلون ألا لعزف آلة “البنقز” وأنهم في الفرق الرياضية لا خانة لهم إلا في الخلف في حراسة المرمى”، نعم، كان هذا قول احد القادة السياسيين في هذه البلاد ولم يتوانى في التصريح به من على المنابر، وعن هذا السياسي الراحل (فيليب غبوش) نفرد بعض حلقات قادمة للحديث عن عمالته هو الآخر من أجل العظة والفهم والتدبر.
٩- طفق الضابط النقيب سبت دودو في التلميح والتصريح -بحسب امين زكي- تعبيرا عن الغضب عما حل به من تجاوز قبل أن يبذل اي جهد للإستفسار والاستيثاق او للتظلم اذا صحت ظلامته، وبلغت تعليقات سبت دودو الفالتة اذان الاستخبارات العسكرية فتم تدوينها بالزمان والمكان، كما راجعت الاستخبارات اصل القصة ووجدت مكمن الخطأ ورفعت تقريرها بالواقعة إلى مكتب القائد العام وفقا لتصنيفها، فالمتسبب في الازمة والذي رفع كشف الترقيات إلى القائد العام كان مدير شؤون الضباط في القيادة العامة للجيش وهو في رتبة اللواء كما القائد العام نفسه.
١٠- هنا وقبل ان يتخذ القائد العام قراره في التقرير الذي رفع اليه وصل أمر سبت دودو إلى الرجل اللواء مسؤول شؤون الضباط وراجع مع اركانه أمر الكشوفات التي رفعت للقائد العام وتبين لهم الخطأ الذي وقعوا فيه في حق النقيب سبت دودو الذي سقط اسمه “سهوا”.
١١- اراد اللواء مدير شؤون الضباط في الجيش -ذكر امين زكي اسمه ولكنه لا يحضرني- أن يصحح خطأ مكتبه فيما حدث مع النقيب سبت دودو وأن يحتوي العاصفة بأسرع وأقصر طريق ووجد أن هناك فراغا في نهاية ورقة الكشف الخاص بالمترقين من رتبة النقيب إلى الرائد يكفي للتصحيح وطباعة اسم سبت دودو فيه واعطاءه رقما مسلسلا واعادة الورقة إلى لوحة الاعلانات، وقد فعل، فاسم سبت كان اصلا قد ورد الى مكتب الشؤون ولكنه “فقط” سقط سهوا ليس الا وأن القائد العام قد وقع على كل كشف الترقيات الذي رفع اليه دون استثناء او استفسار عن اي من تلك الترقيات لاي فرد، اذن فالامور طيبة وليس افضل من استثمار هذا المناخ لتصحيح الخطأ وإضافة اسم سبت دودو في ذلك الفراغ من الورقة، فارتكب اللواء غلطة العمر العسكرية دون أن يتحسبها.
١٢- اعيدت الورقة إلى لوحة الإعلانات وعليها اسم سبت دودو مترقيا من رتبة النقيب إلى رتبة الرائد. سر سبت دودو بما حدث من تصحيح وهدأت نفسه وارتدى كتفية الرائد، ومرة أخرى سارع فرع الاستخبارات بإعداد تقريره إلى مكتب القائد العام (نميري) يطلعه على ما ال اليه الأمر بواسطة اللواء شؤون ضباط، فاستبدت بالرجل الضبطية العسكرية وحسب ما جرى من كبائر المنظومة فاستدعى اللواء المعني وكانت المواجهة.
١٣- ذكر كابتن امين زكي جانبا من طبيعة الحوار الذي دار بين القائد العام نميري واللواء شؤون ضباط والذي حاول أن يبرر به تصرفه ويمكن ايجازه في الحوارية التالية بحسب محدثنا المتمكن كابتن امين: (سأل نميري اللواء لماذا رفعت الكشوفات إلى القائد العام وهل كان من الممكن أن يرتدي اي ضابط رتبته الجديدة من غير مصادقة القائد العام؟ أجاب بلا. ألا يملك القائد العام استثناء فلان وفلان من هذا الكشف وألا يوافق على ترقيهم؟ أجاب بنعم. اذن الان القائد العام يقول لك انه لا يوافق على ترقية سبت دودو ما رأيك؟ أنت لواء ركن إدارة وتعلم عسكريا صلاحيات القائد العام في هذا الخصوص وأن عدم مصادقته لا يمنحك هذا الحق في اضافته من عندك، فلماذا فعلت؟ أجاب اللواء مبررا بأن سيادتك (القائد العام) قد وافقت على كامل الكشوفات للترقية وأن شخصا مثل سبت دودو انت تعلمه وأنه قد تأهل للترقية في وحدته وحسبنا أن الأمر بسيطا لا يستدعي مراجعتكم ونحن نعلم بمشغوليات سيادتكم، رد القائد العام للواء بأنه لا شأن له بمشغولياته وانه الآن فقط هو قرر الا يترقى سبت دودو وانه لا يجب ان يستمر في خدمة الجيش، بعد الذي بدر منه، وسأل اللواء هل بلغك ما تفوه به سبت دودو من كلام لا علاقة له بالانضباط والقانون العسكري؟ اجاب بأنه قابله وكان غضبانا، اردف القائد العام موضحا للواء ان سبت عايز يعمل فتنة في الجيش وان القيادة لن تسمح بذلك ثم تفرغ ووجه سؤالا للواء، كيف أصبحت لواء وفي فرع الإدارة وأنت تصحح الخطأ بخطأ آخر أفدح منه لا يقوم به حتى المبتدؤون؟ وختم حديثه نحن بشر نخطئ في الجيش وخارج الجيش ولكن هناك أسس وقواعد معروفة لتصحيح الخطأ بأن تلحق الكشف برسالة منفصلة للقائد العام توضح فيها وجه الخطأ وكيف حدث وهل تم التحقيق فيه ومن بعد يتم التصديق على الترقية بكل بساطة، “مش تجيب نظام من عندك، دا اسمه غش وتزوير يا سيادة اللواء، على كل حال اتفضل إلى مكتبك ومافي طريقة غير انو انت وسبت دودو تكونوا خارج القوات المسلحة).
١٤- أصدر القائد العام قراره باحالة اللواء شؤون الضباط والنقيب سبت دودو إلى التقاعد من خدمة الجيش في نفس اليوم. يقول امين أنهم قابلوا سيادة اللواء شؤون لاحقا وانه اقر بخطئه وقال لهم “ما عارف كيف هو تصرف بتلك الطريقة” ولعن اليوم “الخلاه يعمل كدا”.
١٥- خرج سبت من الجيش ولكن وبعد اشهر محسوبة وجد نفسه في حبائل فيليب عباس غبوش ليبدأ الفصل الثاني والأخير من علاقته بتاريخه الوطني الزاخر في الرياضة والعسكرية في ليوجه اتهاما بالمشاركة والتخطيط للقيام بمحاولة انقلابية عنصرية قوامها ابناء الجبال خارج وداخل الجيش وينتهي امرها بكشفها ويتم التحفظ على الجميع ثم يطلق سراحهم بالاعفاء ويعتذر غبوش للشعب ليتحول النصف الاخر من حياة سبت دودو (٤٥ عاما) إلى تاريخ سعودي جداوي بامتياز انتهى برحيله عن الدنيا قبل اسبوعين.
رحمة الله على سبت دودو.
- سوف نكتب في فرصة لاحقة عن علاقة الكابتن برجل الفتنة العميل فيليب غبوش وكيف وظفه ليكون طرفا في محاولة انقلابية فاشلة العام ١٩٧٧ ادت إلى اعتقال الكابتن سبت دودو ثلاثة اشهر اطلق بعدها سراحه بالاعفاء والذين معه من المحاكمات. هنا يشطب سبت دودو كل ملفات الماضي بجرة واحدة ويطير مدربا لحراس المرمى في احد الاندية الكبرى بالمملكة العربية السعودية ويعيش حياة هانئة مباركة في كنف عائلته وجاليته المغتربة وطيف الرياضة السعودية الزاخر.