في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، اخترقت الحركة الإسلامية السودانية الجيش الوطني، ونفّذت عبر خلية عسكرية موالية لها انقلاباً عسكرياً أتى بالعميد وقتها عمر البشير رئيساً للبلاد، ولم يكد يصبح في الحكم حتى انقلب على الحركة وعرّابها الشيخ حسن الترابي، وحدثت ما تعرف بالمفاصلة التاريخية في العام 1999، وبعدها سيطر البشير على الحركة وحزبها الحاكم، “المؤتمر الوطني”، معتمداً على بعض انتهازّيي السلطة والثروة.
الحركة الإسلامية نفسها، وبعد انقلابها العسكري، وبعد حظر النشاطات السياسية للأحزاب، اعتمدت كلياً على القبلية في تركيز سلطانها، فباتت تشتري ولاءات زعماء القبائل وتتلقى منهم البيعات في الفضاء الطلق، كما أنها استخدمت القبلية والولاء القبلي أثناء الحرب الأهلية في إقليم دارفور، غرب البلاد، فكوّنت المليشيات لتحارب نيابة عنها الحركات المتمردة.
ومع نمو وتطور تلك المليشيات واستقلاليتها، تمردت على الدولة، وكمثال حالة الزعيم القبلي موسى هلال عام 2017، في حين لم يتردد محمد حمدان دلقو، قائد قوات الدعم السريع، والتي بدأت نشاطها كمليشيا قبلية مدعومة من الحكومة، في المشاركة بالإطاحة بالرئيس عمر البشير في العام 2019.
مع هذين المعطيين، تبدو الحركة الإسلامية غير راغبة وغير جادة في الاستفادة من تجاربها، فقد دخلت في تحالف جديد مع قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان عقب انقلابه الأخير، إن لم تكن هي نفسها جزء من عمليات تخطيطه وتنفيذه، وتعدّ الآن أكثر المدافعين عن الانقلاب، مقابل إعادة توطين بعض كوادرها في مفاصل السلطة، وبصورة تدريجية.
ومن الواضح تماماً أن البرهان يسعى إلى استغلال الحركة مؤقتاً لسد الفراغات وحالة العزلة الشعبية عقب الانقلاب، وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على الحركة الإسلامية كما فعل البشير من قبل.
بعيداً عن الارتكان للتحالف مع العسكر، عاد الأسبوع الماضي من منفاه الاختياري في مصر آخر رئيس وزراء في فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير محمد طاهر إيلا. لكن إيلا لم يختر العودة من بوابة حزبه، أو حركته الإسلامية، بل جاء عبر قبيلته في شرق السودان، والتي هيّأت له منذ وقت مبكر المناخ واستقبلته استقبال الفاتحين، وهو أمر قابله أنصار الحركة الإسلامية باحتفاء مبالغ به، اعتقاداً منهم أن ذلك انتصار شعبي وسياسي للحركة، متجاهلين كيف أن القبلية ظلت طوال سنوات حكمهم وبالاً عليهم وعلى الوطن ككل.
إن واجب الحركة الموضوعي والمنطقي إن أرادت العودة للمسرح السياسي، هو عدم الركون للعسكر، خصوصاً عسكر اليوم، الذين لديهم أكثر من ارتباط محلي واقليمي ودولي، كما عليها التفكير بعمق بمسألة استغلال القبيلة في السياسة، واستخلاص العبر والنتائج.