استطعت الآن أن أدرك أحد أسباب موجة (المغص المعوي) التي ضربت أهلنا في العاصمة وبعض الأقاليم..إنها بسبب مشاهدة (التلفزيون القومي) الذي أعاده الانقلاب للفلول..! فأصبحوا يجلسون على شاشاته طوال ساعات البث ويدعون إليه الإنقاذيين و(الأرزقية الثقلاء) ضيوفاً على كل البرامج..ويشترطون في الضيف (ألا يكون له أدني صلة بالثورة)..وأن يكون من عاطلي المواهب..وألا يستخدم عقله..وأن تكون له سحنة كئيبة عليها سيماء الإنقاذ وسناحة وغبَشة الاخونجية..!
وقعت عيني على “التلفزيون القومي” بالصدفة..فأنا (ولله الحمد) لا أطل عليه ولا على (قنوات الفلول) لعلمي المُسبق بالأعراض الجانبية المُريعة التي تصيب من يشاهده ويشاهدها..فقد كنت في زيارة لأحد أعمامنا الثوريين وكان التلفزيون القومي يقدّم احد برامجه فقلت له: أنا لا أشاهد التلفزيون القومي خاصة منذ انقلاب (السجم والرماد)..وحتى قبل الانقلاب لم يكن فيه ما يسُر..وكان بعيداً عن إيقاع ثورة ديسمبر العظمى إلا من بعض اللمحات..! قال لي إنه على العكس (يعاقب نفسه بمشاهدته) من باب (الصبر على المكاره) وترويض النفس على احتمال المصائب..وأيضاً حتى يعرف القاع الذي تردّي فيه إعلام الانقلاب..!
.. نزلت على حكم مُضيفي (فالزائر في يد المزيور) وكان البرنامج يدور حول هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم..ولم يخب ظني.. فقد اجتمع (حضور البرنامج الأربعة) على إزهاق معاني الهجرة الوضيئة ودلالاتها الثورية العميقة..على رأسهم (مذيعة متثائبة) ربما لأن موضوع البرنامج ليس (على هواها) وليس من الشؤون التي تتحمّس لها..! والثاني قالوا انه أستاذ في جامعة أم درمان الإسلامية وهو ممن يجلب إليك النعاس حتى لو كنت مديناً لمرابي إنقاذي..! وثالثهم قدّموه باعتبار انه (إعلامي في قناة الفرقان) والرابع هو إمام مسجد النور (ولا تقل لي انه المسجد المنسوب للمخلوع في كافوري والذي تكلّف بناؤه ضمن مركز تجاري مئات الملايين من العملة الصعبة وعشرات المليارات بالمقابل السوداني؛ وقد كذب المخلوع في نسبة المسجد لرجل (عارف بالله) وتجنّى على رجل غائب ونسب إليه ما لم يدعيه في حياته…!
لقد كتب الانقاذيون في “ويكيبيديا” عن هذا المسجد بأن “رئيس الجمهورية” يقصدون المخلوع (بناه على نفقته الخاصة)..!! ومن أين للمخلوع بثروة خاصة ليبني مجمّعاً على 1300 متر مربع ومسجد على الطراز التركي يسع 4 ألاف مصلي (وسلالم نيويوركية متحرّكة) ومجمع تجاري ضخم الأوداج.. ومدرسة.. وموقف سيارات..! هذا مما يجعل الشخص لا يثق بكثير مما يرد في الويكيبيديا..! والذين يعرفون كواليس فكرة بناء هذا المسجد يقولون إن الأصل كان مشروعاً تجارياً لإقامة (مول ضخم) للسلع الفاخرة..وما إضافة المسجد وحكاية (العارف بالله) إلا من باب التغطية على المشروع الأساسي وإقامته في أرض الدولة مجاناً..! وهذه من طبائع النفاق المتأصل في جماعة الإنقاذ..بل إنها خلاصة ما عرفهم الناس به من عدم الحياء والتلاعب بالمقدسات من اجل السرقات المفضوحة.. فاستغلال الدين لأغراض الدنيا هو (الملاذ الأخير للأوغاد)..!
المُضحك في الأمر عندما ذكرت المذيعة سهواً كلمة “ديمقراطية” وهي لم تقصد المعنى السياسي وإنما أرادت أن تتحذلق وتشير إلى ضرورة التشاور داخل الأسرة..وما أن قالت كلمة “ديمقراطية” حتى جحظت عيون الضيوف الثلاثة..! إمام مسجد النور و(زول قناة الفرقان) وأستاذ الجامعة الإسلامية..!! وسارعوا إلى تغيير دفة الحديث..وهنا شاركتهم المذيعة الهروب وتلعثمت بكلمات تعنى أن (قصدها شريف)..! وأنها لا تقصد الديمقراطية في المجتمع أو الدولة..!! طبعاً مثل هؤلاء الإعلاميين يحرصون غاية الحرص على “رزقهم” وعلى “أرزقيتهم”.. وعلى عدم إحراج الانقلابيين بأي كلمة تعكّر عليهم صفو (عنطزتهم)..!! الله لا كسّبكم..!
murtadamore@yahoo.com