وضعت قوانين السودان المتعاقبة لفترة ما قبل الإنقاذ تدابير مُحكَمَة في تقييد سلطة الإعلان بالنشر للقبض على المتهم، بإعتبار أن في ذلك ما يُفضي إلى توقيع ضرباً من العقوبة تلحق ضرراً لا ينمحى وبالغ الجسامة بسمعة المتهم وهو لا يزال بريئ ولم تتم إدانته، ولتعظيم أثر هذا الإجراء قصرت القوانين المتعاقبة ممارسة هذه السلطة (فقط) على قاضي المديرية، بحيث يمتنع أعلى قاضي بالمركز (المحلية حالياً) عن ممارسة هذه السلطة وهو الذي في سلطته إصدار أقصى عقوبة جنائية (الإعدام) برئاسته للمحاكم الكبرى.
فإذا رفعت الشرطة توصية للقاضي المختص في مركز سنار مثلاً بإعلان متهم هارب، فإن قاضي المركز لا يقوم برفع الأوراق لقاضي المديرية في وادمدني لإجراء النشر إلاّ بعد أن يستوثق من أن الشرطة قد بذلت كل جهدٍ ممكن في سبيل القبض على المتهم الهارب أو الذي يخفي نفسه.
نظام الإنقاذ نفسه عندما إستحدث قانون النيابة العامة لم يقلل من إستعظام القانون لجسامة الآثار التي يخلفها إجراء الإعلان بالنشر، حيث جعل القانون الإعلان بالنشر من سلطة وكيل النيابة الأعلى، لا وكيل النيابة، وعليهما واجب التثبت من بذل الشرطة لكل جهد ممكن قبل توصية الثاني للأول بإصدار قرار النشر في الصحف.
الذي غيّب فهم معاني الحكمة من تضييق القانون لممارسة هذه السلطة هو العقول التي تفتقر لإدراكها، حتى جاء اليوم الذي أضحى فيه النشر يتم لتحقيق الإنتقام السياسي، كما أضحى الإعلان بالنشر في القضايا الجنائية على الصحف يتم بالتواتر الذي تجري به إلاعلانات التجارية دون إكتراث أو فهم لمطلوبات القانون، ولن يحدث ذلك دون تزويد النيابة بأعداد من الكوادر القانونية المؤهلة التي تستطيع أن ترسي القواعد التي يسلكها أعضاء النيابة في مثل هذا الموضوع وغيره عِوضاً مما أصابها من تشوهات مهنية في عهد الإنقاذ.