قد يعمل الاتفاق المتوقع بين العسكريين والمدنيين على إنهاء انقلاب قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بعد فشل واضح للحكم العسكري ، ويعيد الحكم المدني للبلاد، والجيش إلى ثكناته بعيداً عن السياسة، بعد أنّ تشكل سلطة مدنية كاملة تختارها القوى المدنية، بداية من رئيس الوزراء، بالاضافة الى تكوين مجلس أعلى للأمن والدفاع تحت إشراف رئيس الوزراء المدني.
لكن هذا لا يكفي فاخطر ما يواجه هذه التسوية هو رفض الشارع الثوري لها الذي أعلنت لجان مقاومته انها ترفض رفضا قاطعا اي تسوية مع المجلس العسكري الانقلابي أضافة الي رفض بعض الاطراف في قوى الحرية والتغيير وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي ، هذا بجانب رفض الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين .
وامر القبض الذي صدر بالأمس في حق الاستاذ وجدي صالح ، هو جزء من إكمال عملية التسوية السياسية ، حتى تستوي على نار الإعتقالات فالرجل انحاز الي الشارع الثوري وجاهر بالحق وشكل مصدر ازعاج عام للسلطات الانقلابية ، التي لا تريد مثل هذه الاصوات فى مثل هذا الوقت تحديدا ، تشاطرها الرأي بعض الاحزاب التي توافق على التسوية السياسية مع العسكر ، والتي اختفت اصواتها هذه الايام ، فعندما تنوي هذه الأحزاب الصلاة سرا نحو القيادة ، تدعو ان تختفي كل الاصوات الثورية العالية ، التي تنادي بمحاكمة العسكر واسقاطهم .
حتى في السوشيال ميديا والاعلام تجد ان الاصوات الحزبية ربما تحدثك الان عن عدم جدوى المواكب وضعفها ، وان( الناس بتموت) وان الخروج الى الشارع وحده لايكفي ، يتغير الخطاب السياسي والاعلامي تلقائيا مع تحركات الاحزاب نحو القيادة او تحركات العسكر نحو دور الاحزاب.
فالاتفاق السياسي بالرغم من انه يقدم عروضا مغرية للشارع بعودة العسكر للثكنات ، وتشكيل حكومة مدنية كاملة ، الا ان التصفيق لمثل هذه الأشياء يعد نوعا من الغباء سيما ان العسكر لا أمان لهم فوجود مجلس للأمن والدفاع هو اخطر ما يحويه الاتفاق القادم هذا المجلس الاعلى ، هو السلطة التي ستعلو على الحكومة المدنية وعلى رئيس الوزراء فكلمة إشراف من أكثر المصطلحات السياسية ضعفا ، فهذا المجلس هو ما تحدثنا عنه من قبل في هذه الزاوية سيتم تكوينه من قيادات عسكرية كيزانية تعمل بجد لتسليم الحكومة لعناصر النظام البائد بعد انتهاء الفترة الانتقالية عبر انتخابات ( لا حرة ولا نزيهة ) ، لذلك ان تشكيل حكومة مدنية كاملة مع ابتعاد العسكر عن السياسة ربما يكون تغليف جاذب لا يعني انه يحوي بداخله شي رائع ، لذلك لابد من الحذر من الكذبة الثالثة للعسكريين بعد الوثيقة الدستورية وكذبة تصحيح المسار عبر انقلابهم الكارثي.
فالشارع الثوري سيراقب عن كثب كيف يكون الاتفاق وشكله فلا الاحزاب ولا العسكريين ولا فلول النظام المخلوع جميعهم يستطيعون القفز على وعي الشارع وادراكه، وتضحياته بعد أن صنع المستحيلات وواجه الموت وجعل ثورته تستمر رغم كل المخاطر ووضع ميثاقا عظيما ، بعد كل ما قدمه لن يكون عصي عليه اختيار رئيس مجلس وزراء !!
طيف أخير:
اكتوبر المرعب شهر الهرولة نحو الانقلابات او التسويات.
الجريدة