صحيفة “التحرير” كعادتها تقرأ الواقع الإعلامي وصفحات التواصل الاجتماعي بفهم قومي فيه انحياز كامل للوطن. ففي حيرتنا أمام ما يحدث في الخطاب الإعلامي الشعبي، ويصح أن أقول الفردي الذي تتصاعد فيه مفردات العنصرية والكراهية. فقد نبهتنا التحرير في إفتتاحية جريئة بتاريخ 7 أكتوبر 2022م فيها تحليل لهذه الظاهرة ، ولسان حالها ينادى الجميع هلموا يا بنو السودان نوقف هذا الشر الداهم المستطير. ومن هنا نبتت فكرة وحملة صحيفة التحرير ” لا لخطاب العنصرية و الكراهية ” التي وجدت تأييدا وسنداً من الجميع. كذلك جاء الاستطلاع الذي أجراه الصحفي القدير محمد حسيب بتاريخ11 أكتوبر 2022م مع بعض الكتاب الصحفيين، وهو يحاورهم بشأن هذه الظاهرة التي تنامت في الايام الاخيرة. وقد وجدت رفضاً واستنكاراً لدى كل من تحدث اليه عن هذا التيه والمتاهة، خطاب الكراهية والعنصرية، التي ركب موجتها بعض ضعاف النفوس من باب حرية الرأي والمقال، مرتدين عن خطاب وشعار ثورة ديسمبر المجيدة التي رفعها الشباب والشيبة من النساء والرجال الاوفياء لوطن السمر “حرية .. سلام .. عدالة..” بمعانيها الراشدة في ظل حكم مدني ديمقراطي، فاستشهدوا جماعات وأفراداً. ورغم تنامي بؤس خطاب الكراهية وغوغائيته، إلا أنه ولحسن الحظ والطالع، فإن أغلب الصحف الوطنية المسؤولة ظلت بعيدة وقصية عن هذه الدائرة الخبيثة التي امتطاها بعضنا متقمصين دور البطولة في الحديث عن المسكوت عنه، والذي لم يكن إلا سقط الحديث الذي جاء في ملخص ومعنى “شر النفاثات في العقد وشر حاسد إذا حسد “. التحية لصحفيي بلدي الاحرار الذي رفضوا واستنكروا الخطاب العنصري يوم ذُبح الثور الاسود، وأكل العنصريون لحمة وتجشؤوا منتعشين محتفلين بفصل الجنوب. نستغرب وننظر في عجب الى تلك المقالات الطائرة في الاسافير وتلك “اللايفات” التي تتحدث بلا حياء مُكثرة من مفردات الكراهية والعنصرية مثل كلمة الجلابة / الغرابة/ الفلاتة / النوبة /الشريط النيلي / عروبي ومستعرب /اسلاموي/ وطائفة وطائفية بلا دقة وفهم، بل يتعدى ذلك البعض أحياناً، فيتحدثون في صراحة مخجلة مخزية، وهم يدعون لفصل دارفور ومسلحيها الذين في نظرهم لم يزيدوا البلاد الا خبالاً، أو الدعوة لبناء دولة البحر والنهر أو العودة الى الممالك القديمة أو الدعوة لدولة النوبة أو البقارة. إنه تناقض معيب وغريب مع دعاوي أخرى تدق طبول الحرب لتحرير اطراف الوطن المحتلة، وجيشنا الباسل يرابط في الحدود وتسيل دماؤه الغالية من أجل أستعادة وحماية تلك الحدود المنتهكة أو المحتلة. نعم لقد زايد بذلك البعض سياسياً بلا وطنية حقيقية، فتزينت بعض لافتات المسيرات تطالب بتحرير ” الفشقة .. حلايب.. وابيي التي اُستغفلنا فيها “. و لكن في الجانب الأخر ، هل نسينا أننا قد غزونا واحتلينا عواصم بلاد الآخرين شمال الوادي بكاملها، رغم بلادهم المكتظة اصلاً بالسكان. فأصبحنا عندهم ضيوف ثقال الظ، نبحث أحياناً عن العلاج والمأوى، وتارة عن التعليم أو مخارج للهجرة والتوطين، وبذلك نتعرض للإهانة والسباب تاركين خلفنا التبر والتراب. وكل ذلك لسوء تدبيرنا لشؤون بلادنا. وإني لاستغرب أن تبيع بعض الاُسر بيوتها لتشتري بقيمتها شقة في أطراف القاهرة!!! وأتساءل هل ما زال أهل شمال الوادي رسمياً يستقبلوننا طلاباً واسُراً مع تقديم المنح والتسهيلات؟؟ ولكن ماذا عن رأي شعبهم فينا؟ انتبهوا يا أهل السودان فإنهم سوف لن يطيقوا ويصبروا على ذلك طويلاً. والله عيب علينا يا أهل السودان أن نبيع بيوتنا ووطننا لنفترش تراب الآخرين بلا كرامة ونتكلم بلا حياء كنا .. وكنا ..وحكمنا حتى فلسطين وحمينا ارض يهوذا وهددنا الرافدين. أجزم أننا بخطاب الكراهية والعنصرية سندمر بلد النيل العظيم، أرض السمر العزيزين. نحن هذه الاجيال لقد ورثنا ارضاً بلا وجعة، ضحى من أجلها أجداد سابقون .. بلد ارضه حدادي مدادي يشهق له الآخرون عند رؤية مياهه المتدفقة، وسهوله الخصبة المتمددة .. يوماً ما كنا نفتخر أنه أكبر بلاد أفريقيا بشعبها الراقي وأغناها موارد. وهوالبلد الذي يشقه أطول أنهار العالم ، ثم نأتي بلا وعي لننقض غزل اجدادنا بأفعال الكراهية والعنصرية، وندعو للتقسيم والتبعيض.. عمري لم اشهد أو اقرأ في التاريخ أن شعباً قد خرج من بلده جمعاً وفرادى، لاعناً ساباً وطنه، تاركا خيراته، إلا في السودان. أليس ذلك بفعل العنصرية والكراهية عندنا اليوم. لقد كذبت عندنا مقولة “بلدي ولا ملي بطني”، بينما ظلت سارية بقوة في كل البلدان إلا السودان. بعضنا رفع السلاح بحجة إنصاف المهمشين، واليوم خطابه وبعد سقوط الأقنعة قد نسي المهمشين، وقال بلا خجل، أنه دخل الخرطوم بإافاق تحت الطاولة وهدفه الحقيقي الانتقام، والانتصار للذات بهدم عمائر وبنيان العواصم على أهلها وسبي الحرائر ما استطاع. هل هو عصر الاستبطال والبطولات الذي قال به “ارنولد توينبي ” المؤرخ البريطاني في كتابه ” قيام وسقوط الحضارات”. ابداً فإن رسالة الثوار ستقول لا لن تتكرر تجربة انفصال جنوب السودان، الا على الرؤوس والابدان ،أاسونا من لعبة وحدة جاذبة تلك الكذبة الكبري فلنستأصل العنصرية والكراهية، وفي ذلك سيكون الصلاح والرباح لوطن يسع الجميع. رغم كل السوءات التي نعيشها اليوم بسبب داء الكراهية والعنصرية، إلا أنني متفائل بأن الاحداث، على وشك أن تفرز من وسط هذه الجماهير قادة جبارين في الحق عادلين، سيعيدون لهذا الوطن ألقه ومجده. وثورة الشعب الحقيقية يجب أن تكون اسنانها حادة تقطع حتى من تماهى أو خرج متسكعاً في شوارع الفوضى. ولكن قبل أن يبلغ بنا ذلك الحال، علينا أن ندرك ونفهم ونقتنع أن خطاب الكراهية ليس عملاً تكتيكياً يمكن التراجع عنه بسهولة في أي وقت وزمان، وهنا تكمن خطورته. فهو إذا تمكن، سيكون ثقافة متجذرة تمارس دون حياء أو كابح، وكيف لوطن وشعب بهذا التنوع أن يجتمع ويتعايش أهله تحت مظلة خطاب العنصرية والكراهية، لهذا وجب علينا ان نقولها بقوة ” لا للعنصرية والكراهية”. نؤيد استمرارية حملة صحيفة التحرير الالكترونية لتجريم خطاب العنصرية والكراهية، في منابرنا السياسية والثقافية والتعليمية وسلوكنا الاجتماعي جماعة وأفراد .. بل إن ذلك وحده لا يكفي ويستوجب الحال سن التشريعات والقوانين الصارمة التي تجرم هذا الفعل كجناية كبري، عليها يقع غليظ الاحكام والعقوبات. كلكم قرأتم استعلاء الجنس الآري على العالمين، فإنسان اليوم الحضاري فى المانيا وأوربا بل حتى في أمريكا وكندا ، قد عالج ذلك بالقانون والدستور فأصبحت العنصرية والاستعلاء الاثني أكبر من جرائم القتل، وحبلها لا تقطعه القرابة ولا الجاه ولا الحسب والنسب. وأصبح التطبيق فعلاً لا قولاً، بينما الواقع عند بعضنا غير ذلك تماما.. فهل ابو جهل لا زال سيداً ، أم علينا الاغتسال وتنظيف أنفسنا بتعاليم ديننا العظيم وقيم الإنسانية البناءة؟