( حدثنا عزو فقال
زارنا في منزلنا، علي غير توقع، سفير دولة عربية شقيقة ، انتدب حديثاً للعمل في السودان، حوالي العام ٨٣ ، بمنزلنا المتواضع، جنب دكان هارون الاطرش الترزي، وسبب الزيارة انه كان صديقاً لاخي الاكبر والذي تعرف عليه في عاصمة بلاده، ونمت بينهما صداقة عظيمة، فوعد اخي وعد حر، انه سيزورنا نحن اسرته، بمجرد وصوله، وقد وفى بذلك الوعد.
وكانت سعادتنا بهذه الزيارة، تفوق الوصف، واكتملت اركان تلكم السعادة الطارئة، حينما ترجل سعادته عن الفارهة، وعليها العلم الشقيق يرفرف في زهو وكبرياء، واهل الحلة يرقبوننا من وراء الشبابيك ورقراق ابواب الزنكي، في غبطة وحسد، لا نلومهم عليه. صافح السفير الوالد والوالدة والاخوات والاخوان، وطمأننا علي عصام، وذكر بانه “خوش آدمي”، وكلّش إنسان حلو ، وهو ورده، وأغاتي وغير ذلك، ففرحنا فرحا جماً.
ثم ان ابي وقد تملكته النخوة والشهامة السودانية، طلق امنا بالتلاتة ، وهو يجره الي داخل البرندة، وتداعى ونادى، كما ذكر صلاح في (مريا)، يابنات جهزو البارد والقهوة، ونقرو القيثار في رفق، وهاتو الاغنيات،. فصفت اخواتي البنات، كبايات الشربات المقصبة والمذهبة، واتت امي، بكل الاشياء التي كانت في (البترينة)، والتي كنا نحسبها زينة، حتى علمنا ذلك اليوم، انها لمدخرة لمثل هذا اليوم كانو يعملون، كما قال وردي.
ولكنني “دوناً عن العالم”، كنت قلقاً، ومتوتراً في وسط كل هذا الجو الاحتفالي، وقد كان مصدر قلقي، تلقيمة البرندة، وللذين لا يعلمون ماهي التلقيمة، فهي لوح الابلكاش المطلي باللون الابيض، والذي يثبت في باطن سقف البرندة، بشرائح خشبية رفيعة مستطيله، تدهن بلون مختلف، بغرض إخفاء قبح الواح الزنك، والتي هي السقف الحقيقي، ويثبت فيه الميسورين، لمبات النيون، فيزاداد الضياء والبهاء في البرندة، حتي يأتي فصل الخريف، فتهطل امطار السودان، والتي لا تراعي مشاعر الانسان، و لا تحفل كثيرا بالديكورات، فتغترف الطين، وبقدرة قادر، تمرره عبر رقع الفلنكوت، والتي يفترض فيها ان تمنع تسرب المياه، فيصب الماء الملوث بالطين، علي التلقيمة، فلا يلبث ان يتحول لون طلاءها الابيض الزاهي، الي خرائط من الوان الطين البنية ، بكل درجاتها.
وصدق حدسي، فما ان جلس سعادته، حتى رفع راسه، يتفحص السقف، ولم يعد بعينيه الي ارض الواقع، بعد ذلك ابدا، اصابتني رعدة الخجل، فصرت احاول ان اشغله عن النظر ناحية السقف، اتفضل يا سعادتك اشرب البارد، فيقول شكرا، ثم سرعان مايعود، لمزاولة النظر ناحية التلقيمة المخرخرة، همست لابي، ياحاج خلينا نمرق الحوش، فرد ابي، البعوض يا ولدي، بيفتك بالضيف، سمعنا سعادته فقال، لا تديرون بال يا معودين، آني كلّش مرتاح هناني!
ثم عاد ينظر ناحية السقف للمرة الالف، ثم قال باعلى نبرة في صوته الجهير، بس آني عدّي فد سؤال. قال ذلك وعيناه لاتفارقان السقف، فوجف قلبي، وقلت هي الطامة الكبرى، الزبالة الساكنين فيها دي شنو؟
قال ابي، تفضل يا سعادة السفير، اخذ السفير رشفة من الليمون المنكه بروح الموز، قال وهو يشير الي السقف، وانا قد بلغت روحي التراقي
…
يابا، بلا زحمة، منو هذا الفنان التشكيلي العظيم، اللي سوالكم هاي اللوحة العظيمة… بلكد تنطوني رقم مال تلفونو!
…………….
صاحت اختي من مكان بعيد
اسمو ميكاييل!
تاج السر الملك