يحفل المشهد السوداني بخطوات متسارعة في اتجاه التسوية السياسية لحل الأزمة الماثلة، إذ أعلن الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الجمعة (14 اكتوبر) عن بشائر لحل الأزمة؛ موضحاً أن”القوى السياسية قدمت تنازلات ونحن نرحب بها”، مشددا على أنه ”لا تسوية تحت الطاولة، وأنهم لن يقصوا أحداً، ولن يسمحوا لأي جهة أو حزب باختطاف السودان”. كما لفت المبعوث الأممي فولكر بيرتس النظر إلى وجود اتفاق بين الأطراف على فترة انتقالية لا تتعدى العامين.
جاءت ردود الأفعال متباينة لهذا الاعلان، فرأى الأمين العام لمجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير مبارك أردول تصريح فولكر حول الاتفاق بأنه ”تصريح مضلل”، موضحاً أن المدنيين لم يتفقوا مع المكون العسكري وانما( مجرد ثلاثة أشخاص من المجلس المركزي جلسوا مع العسكر سراً). في الوقت ذاته، رحب القيادي في الجبهة الثورية محمد إسماعيل أركان ترحبياً مشروطاً بالتسوية التى تنهي حالة التأزم والتشرذم من المشهد السياسي، وما رافقها من سوء الأوضاع اقتصادياً وأمنياً بشرط ألا تمس اتفاق جوبا للسلام، بينما هاجم مني اركو مناوي حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان التسوية الجارية، مهدداً بدخول البلاد في مربع لم تدخل فيه من قبل، مبيناً أن ما يجري حالياً لا يمكن تسميته بتسوية سياسية بل هو عودة لشراكة ثنائية كما كان الحال قبل 25 أكتوبر الماضي. وفي السياق ذاته، أكد محمد المهدي حسن رئيس المكتب السياسي بحزب الأمة القومي أن ما يتدوال من معلومات حول التوصل إلى تسوية لا تتعدى نسبة صحته الخمسين بالمئة، موضحاً أن هنالك تفاهمات متقدمة، لكنها لا ترقى أن تسمى تسوية أو اتفاقاً.
واخيرا أفصحت قوى الحرية والتغيير المركزي بوجود اتصالات غير رسمية مع المكون العسكري للوصول إلى تسوية عادلة، وأن المفاوضات أسفرت عن قبول المكون العسكري بحكومة وهياكل مدنية، وقبول قوى الحرية والتغيير بقيام مجلس أعلى للقوات المسلحة بسلطات واسعة. وأوضح مصباح أحمد القيادي بقوى الحرية والتغيير المركزي أن ما يحدث بين المكون العسكرى وقوى الحرية والتغيير المركزي ليست تسوية سياسية او صفقة ثنائية تحت الطاولة، بل نقاشات حول قضايا معلقة وعملية سياسية، وفقاً لخطة ومساعي الحرية والتغيير لإنهاء الانقلاب، واستعادة الحكم المدني, مضيفاً بأنه ليس هنالك اتفاق، ولكن مشاورات حول قضايا بعينها كالترتيبات الدسورية وغيرها، وأنهم سيملكون الشعب السودانى وقوى الثورة نتائج المناقشات، اما عن المواقف المنتقدة للتسوية خاصة موقف التوافق الوطنى فقد أبان مصباح أن قوى التوافق الوطنى قد أضحوا انقلابيين أكثر من الانقلاب نفسه، وأنهم جزء أساس من الأزمة، وعندما تجاوزتهم المرحلة بإنهاء الانقلاب عادوا للهجوم على ما يجري من عملية سياسية الآن. الأسئلة المطروحة: هل التفاهمات الجارية ستعيد ترتيب وصياغة المشهد السياسي؟ أم أنها لن تكون حلاً للأزمة، بل خطوة في طريق المناورات التى أدت بالبلاد لهذا الوضع المأزوم الذى تعيشه اليوم، خصوصاً أن قوى الثورة لا تزال تكرر أخطاءها، واعظمها عدم التوافق على توحيد قواها على برنامج أو رؤية مشتركة؟ وهل التسوية ستفضي إلى إقصاء قوى سياسية أخرى؟ لعل من نافلة القول إن البلاد تمر باسوأ فترة في تاريخها الحديث، وفى أمس الحاجة لأي انفراجة تعدل من الوضع الراهن، فهل من سبيل للخروج؟