محمد حسيب
السودان يتدحرج، بوتيرة متسارعة جداً، نحو غياهب الظلمات، من خلال إعلاء القبلية والجهوية والعنصرية المقيتة على حساب المفاهيم الفكرية المتقدمة المتحضرة، التي تقوم على أسس العدالة والحرية والمساواة بين مكونات وفئات المجتمع كافة.
عندما نادت ثورة ديسمبر بمدنية الدولة، لم يكن هذا النداء نابعاً من فراغ،بل هو نتاج لتدبر وتفكر من الثوار الأماجد، الذين رأوا بأم أعينهم ما فعله النظام البائد من تفتييت وتفكيك للنسيج الاجتماعي السوداني، نعم كانت هنالك نعرات عنصرية قديمة موجودة داخل المجتمع السوداني، ولكنها لم تكن بهذا الاستفحال الشديد الذي ظهر للعيان إبان فترة الثلاثين عام التي حكمت فيها الإنقاذ.
كنت وما زلت أعول بشدة على وعي جيل ثورة ديسمبر المجيدة، هؤلاء الشباب الراغبون بصدق في بناء الدولة على أسس سليمة، بعيدة عن الجهوية والقبلية، التي تمارس للأسف حتى من بعض المسؤولين، دعك من عامة الناس.
والملاحظ الآن هو تمدد ظاهرة الاحتماء بالقبيلة، وتغييب مؤسسات المجتمع المدني التي تسهم في تمتين علاقات أفراده وجماعاته، إضافة إلى غياب دولة المؤسسات المبنية على أركان قوية تحفظ وحدة البلاد وسلامتها.
أخطر عدو للإنسان هو الجهل، فالجهل يدمر الأوطان، ويفكك المجتمعات ويفتك بالأمم ويفقر البلدان .
ما لا ينتبه إليه كثير من السودانيين هو أن هذه النعرة القبلية الجهوية العنصرية الكريهة تنذر بشر مستطير؛ لأنها إن تمددت فقد تنسف الدولة السودانية نفسها، وتدخل مكوناتها في نزاعات وصراعات (الكل ضد الكل)، فهلا التفتنا جميعاً لهذا المؤشر الخطير ،ووضعنا أيدينا في أيدي بعض؛ لمناهضة الجهوية والقبلية والعنصرية المقيتة، واحترمنا بعضنا بعضاً، ونهضنا بهذا الوطن، وسعينا إلى تقدمه وتطويره، بدلا من خرابه وتدميره.