حتى نستريح قيلاً من ضنك ورداءة أيام الانقلاب ونتخّفف قليلاً من تصريحات الانقلابيين الملتوية والملوثة والفارغة.. ومن (هترشات) رئيس تحرير صحيفة تنطق باسم هيئة نظامية قومية.. يؤكد في كل ما يكتب على استبداد الجهل بعقل الشخص (فيرضى بجهله.. ويرضى جهله عنه) كما قال طه حسين عن أحد معاصريه..!! ولكننا لا نبتعد عن مأساة الانقلاب (ربيب الإنقاذ) عندما نلفت نظرك يا صديقي إلى ما جاء في وسائط الاتصال عن قائمة جمعت (أثرياء السودان) حسب ترتيب مسروقاتهم. وقد رصدت القائمة منهم (92) رجلاً وامرأة…!
وفي البداية نقول إننا لا نثق (كل الثقة) في صحة كل ما ورد في هذه القائمة من أرقام..! لأن الجهة التي أعدتها لم تشر إلى المصادر التي جمعت منها المعلومات..! ولكن من جهة أخرى فإن كل من يطالع الأسماء والأرقام في القائمة يجد نفسه أكثر ثقة بصِحة كثير من معلوماتها قياساً إلى (قرائن الأحوال)..! واهتداءً بما طالعه الناس من تقارير سابقة من جهات داخلية وخارجية عن الفساد في السودان…علاوة على تقارير منظمة (الشفافية الدولية) والمؤسسات الرقابية ذات المرجعية في شؤون الفساد وتقارير بعض المصارف وقوائم أثرياء العالم وثروات الرؤساء الفاسدين وبطانتهم..! كما أن مصدر ترجيح ما ورد في القائمة تؤكده (المشاهدات المباشرة) لأحوال من نراهم في أحياء السودان يتطاولون في البنيان ويمتطون السيارات المليارية ويملكون العقارات والشركات والقصور واليخوت والفيلات في الخرطوم وفي ماليزيا وسنغافورة ودبي ويضعون أموالهم في (جزر كايمان وبنوك سويسرا)..! فهل من الطبيعي مثلاً أن يكون لشخص واحد (66 شركة)..؟! وألم تكشف لجنة إزالة التمكين أن كرتي استولى على حيازة 99 قطعة أرض..حتى أطلقوا عليه (كرتي 99) وكأنه ماركة سيارات..؟!
مثل هذا الاستقراء لا يكذب..! فمثلاً من أين لشخص مثل الداعية الكذوب الهارب “عبد الحي يوسف” هذه السكني الفاخرة كل هذا الوقت في تركيا.. والطواف بين منتجعاتها وسواحلها وفنادقها..؟! أين له بهذه الأموال وقد ابتعد عن وظيفته غير المُستحقة بالتدريس في الجامعات..وكان يجنيه عبر الاستهبال بفتح الكتاب وكتابة الحجبات و(لهط) مخصصات برامج الفتاوى المضروبة في القنوات الفضائية..و(العطية الأسبوعية) ثمناً لخطبة الجمعة..فالرجل (منشار مسجد) لا حمامة مسجد..!! إضافة إلى ما (يلهفه) من راتب مؤذن المسجد المسكين ..المسألة واضحة..!!
ما لفت نظري في هذه القائمة (وهي متاحة في الأسافير) أن (99%) ممن وردت أسماؤهم فيها هم من الإنقاذيين وفلول المؤتمر الوطني..مع ثلاثة أو أربعة فقط من (شوارد الأحزاب والحركات).. فما هي الحكاية..؟! وماذا يعني ذلك..؟! انه يعني أن الإنقاذ هي (مصدر الفساد الأكبر) وهي التي تكافئ وتعين عليه…! وأن مصدر ثروات هؤلاء القوم هو المال العام…خاصة عند النظر إلى أحوالهم الاجتماعية (قبل (الانقلاب وبعده) وهي حالة معروفة (للغاشي والماشي)..! وقد كان معظم كوادر الإنقاذ القيادية من فقراء الريف وفقراء المدن مثل كثير من أهلنا الطيبين المستورين أصحاب القناعة والنفس العالية (الفقر ما عيب..عيب السرقة وقد الجيب)..! وقد كانت (عراريقهم مقدودة) عندما وفدوا إلى العاصمة وهم يحملون في شنط صفائح الحديد المعدّلة زوادة (الكعك الحجيرى) الذي يضعون في جوفه التمر اليابس..والذي تصنعه لهم الأمهات المكافحات للتزوّد به (إلي حين فرج)..!
الأمر الثاني المُلفت في هذه القائمة أن المخلوع وأهل بيته وإخوانه وأصهاره حازوا على نسبة كبيرة منها..ونترك حساب نسبتها المئوية لمن يجيدون (حساب المثلثات).. !! ولن نذكر بطبيعة الحال كل الأسماء الواردة فيها.. إلا أن أول القائمة بفارق ضئيل من ثاني القائمة هو صاحب (ملف النفط والجاز في السودان)..والثاني المُزاحم على صدارة القائمة هو: زوجة رئيس انقلابي سابق تم خلعه ونزع ضروسة بثورة شعبية..!
في القائمة بعض المفارقات المُضحكة..! ففيها امرأة تم استرضاؤها وتعيينها في (وظيفة عدلية عليا) لأن ابنها كان يستخدم المخدرات ويتاجر بها..! وفيها فتاة تم تعيينها في بداية خدمتها وفي قفزة واحدة وزيرة للإعلام..!! وفيها سمسار (حديد لينيا) و(ردّة قمح واسمنت فاقد الصلاحية) في سوق السجانة..! وفيها أحدهم.. هدد الشعب بالموت الزؤام بعد أن خرج من منصبه الكبير في سلطة الإنقاذ.. وسكن وحده في مساحة (قرية كاملة) جنوب الخرطوم..! وهو لم يكن وارثاً حيث كان أبوه من عمال السودان الكادحين..!
طبعاً في القائمة أستاذ جامعي محدود المرتب أصبح (ابنه الطالب) من مصدري العجول والتقاوي..! وفيها من قال انه (ليس كيشة) ليكتب شركاته باسمه..وكان والياً ووزيراً (جدع المايكرفون) في وجه المزارعين عندما حاصروه وكشفوا فساده..! وفيها والي طردوه من بيت عزاء الشهداء…! وفيها وزير من حزب وطني كان يتاجر بتهريب الجمال إلى مصر (وكمشوه فأفلس) ووقع تحت أقدام الإنقاذ..,! وفيها نظامي مجهول أثرى من إلقاء الأكاذيب بصوت قبيح في الإذاعة بإسم “الحديث السياسي” في بداية انقلاب الإنقاذ..! وفيها دكتور إنقاذي (مصلحنجي) كان مدير جامعة سابق وأثرى بتحويل كل مخصصات الدولة لمستشفياته وصيدلياته وجامعاته الخاصة التي تدرّس ( بالانجليزي وبالدولار) وكان ينادي بالتعريب والتأصيل حتى شرخ حلقه..! وفيها (نكرة) جعلوه رئيساً للبرلمان..وعندما كانت الإنقاذ تلفظ أنفاسها كان يقول (سوف نطبع العملة للسقف ربربرب ربرب ربرب ربرب)..!
هل تود يا صديقي معرفة جميع أصحاب قائمة الثراء..؟! ما أغناك عن هذا…فجميعهم (على هذا النسق) من ذوي العاهات الأخلاقية وآكلي السحت….الله لا كسبكم..!!
murtadamore@yahoo.com