عادت قضية مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق صلاح عبدالله قوش الى الواجهة من جديد، لما راج في وسائط التواصل الاجتماعي عن لقائه وفد حزب الأمة القومي بالقاهرة، مما أثار حفيظة الرأي العام السوداني لحساسية مثل هذه المقابلات، مما اضطر الحزب لإصدار بيان سارع فيه بنفي اللقاء، مؤكداً أنه ليس من أجندة الوفد لقاء اي طرف من النظام المباد. عرف عن الرجل ذكاؤه الحاد، فقد عمل بعد تخرجه في كثير من الشركات الهندسية؛ ثم تحول لاحقاً الى العمل الاستخباراتي، بعد تولي مجلس قيادة الإنقاذ الحكم في يونيو ١٩٨٩م، وتدرج حتى بلغ مدير جهاز الأمن والمخابرات، وفى عهده تعزز التعاون السوداني الأميركي المخابراتى في مجال مكافحة الإرهاب في الوقت ذاته الذى كانت تصنف فيه الولايات المتحدة السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، ويعد هذا من المفارقات العجيبة. اتهم خلال تلك لفترة بالضلوع فى انتهاكات ضد الإنسانية في إقليم دارفور، كما كتب عنه الصحفي الأميركي مارك غولدبيرغ ”: قوش ضمن ١٧ شخصاً من أهم الشخصيات المتهمة بارتكاب جرائم حرب، ومسؤول عن اعتقالات تعسفية، وعمليات تعذيب، فضلاً عن إنكاره حق المعتقلين في محاكمات عادلة”. ورحبت حينها حركة العدل والمساواة بهذا الوصف الأميركي عن الرجل وعدته بالقرار ”الصائب والشجاع”. حاول قوش في أيامه الأخيرة قبل سقوط النظام عبر قواته الأمنية فض الاعتصام من أمام قيادة الجيش، لكنه تراجع في اليوم قبل الأخير من سقوط النظام، وبحسب روايات متداولة أبرزها المنسوبة الى رئيس حزب الأمة الراحل الإمام الصادق المهدي، بأن الرجل قد أدّى دوراً كبيراً في سقوط النظام، وذلك بمنعه المليشيات وقوات الإسلاميين من قتل المعتصمين، ومما يعضد هذا القول إجابة الرئيس المخلوع عمر البشير عن سؤل حول ضحايا الاحتجاجات، إذ قال: ”اسالو عنهم صلاح قوش”. ورغم ما قيل عن دوره في قمع الاحتجاجات لم يسلم الرجل من اتهامات الاسلاميين له بالخيانة، والتآمر على النظام الذي ظل يحكم قبضته الحديدية على البلاد طيلة الثلاثين عاماً. رغم علاقاته الإقليمية والدولية الواسعة، ظل الرجل شبحاً غامضاً لا يعرفه أحد من عموم الناس، وبعبعاً يرعب، ويراه بعض المراقبين واحداً من أعتى الاسلاميين والصندوق الأسود لحزب المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك، بخاصة في السنوات الأولى من عمر النظام المباد؛ لارتباط اسمه بالملفات الشائكة والمعقدة، كما وصفه المستشار السابق في البيت الأبيض جون برنبيرغ: ”كنا نعرف قوش بأنه المرافق اللصيق لأسامة بن لادن خلال وجوده بالخرطوم(1990-1996) ومساعدته له على انشاء مشاريعه المالية والتجارية”. عزز قوش قبضته الأمنية في سنوات حكم النظام البائد، وطالته الاتهامات من كل جانب بعد سقوط النظام ، خصوصاً فيما يتعلق بقتل المتظاهرين، فضلاً عن وجود شبهات وتجاوزات مالية وقضايا فساد، ورغم هروبه وتتبع الإنتربول له عبر النشرات الحمراء، ومنع الولايات المتحدة لدخوله أراضيها، لايزال الرجل محل ترقب من القوى السياسية كافة، كأنما له سحر خاص أو قوى خارقة، فكلما احتقن المشهد السياسي تداعى اسمه على نحو غير اعتيادي ؛ وعلى سبيل المثال فقد عد رئيس حزب البعث يحىى الحسين علاقة صلاح قوش بالإعلان الدستوري حول الترتيبات الدستورية ” وسوسة”؛ لكونه لاجئ في دولة أخرى ولا يملك أي برنامج. ويتساءل كثيرون عن حقيقة نفوذ الرجل وقدرته على صنع وإدارة الأحداث من مخبئه، وآخرها ما جرى تداوله حول دوره في عودة محمد الطاهر إيلا إلى شرق البلاد، حيث استقبل بحفاوة بالغة، واتجهت أصابع الاتهام إلى قوش. أمام هذا المشهد يبقى السؤال حول الرجل ومصيره وعلاقاته، وما يمنع من اعتقاله، أو بالأحرى من يوفر له الحماية من الاعتقال حتى اللحظة؟ تساؤلات يصعب الإجابة عنها، على الاقل في الوقت الراهن والمستقبل المنظور حول الرجل الخفي.