فى العاشر من أغسطس 1966م رحل عنا والـد جميع أبناء أرقين الشيخ صالح عثمان الحاج، بعد عمر حافل بجلائل الأعمال وإليكــم نبذة عن تاريخ حياته :- الاســــــــــم : الشيخ صالح عثمان الحاج. تاريخ ومكان الميلاد : 1904م وادى حلفا – قرية أرقين. 1/ تعلم الشيخ مبادىء القراءة والكتابة فى الخلاوى وحفظ القرآن الكريم منذ صغره، ولم يلتحق بأي مدارس نظامية. 2/ علم الشــيخ نفسه بنفسه، وتطوع منذ فترات شـــــبابه الاولى لخدمة مجتمعـه فى قريته أرقين. 3/ هاجر الشيــخ فى العشرينيات الى العاصمة الخرطوم، وتعرف على أغلب شعراء الحقيبة وشعراء وأدباء السودان فى ذلك الوقت، وتعلم منهم الكثير، وتعلموا منه، وكان من أصدقائه المقربين الشاعر الكبير محمد سعيد العباسى الذى أهدى له ديوانه عند صدوره بالبريد، والاسـتاذ حسن نجيلة، وغيرهم من الادباء والشعراء . وأعيان المجتمع وأتذكر منهم السيد محمد أحمد عبدالقادر. 4/ عمل الشيخ فى تجـارة المحاصيل مع صديق عمره الشــــيخ عثمان محمد صالح، وهو من أبناء وادى حلفا دغيم( والد الديبلوماسى المرموق أبوبكر عثمان والسيد عمر عثمان) متنقــــلا بين أم روابة وكوستى. 5/ ساهم الشيخ مع زملائه فى تأسيس نادى كوستى الرياضى الثقافى الاجتماعى. وكتب لافتته بنفسه. 6/ فى أوائل الثلاثينيات عاد الشيخ لمسـقط رأسه ( أرقين) بعد أن صقل نفسـه بالعلـم والخبرة؛ وذلك لتقبل العزاء فى وفاة والده، والتقى برفقاء دربه الشيخ عبدالرحمن محمود وود عيسى زيادة، حيث قامــوا جميعا مع أعضاء لجنــة التعليـــم بتأسيس مدرسة أرقين الاولية الاهلية، وتم اختياره سكرتيرا للجنة التعليم وناظراً للمدرسة. 7/ وافق الشيخ على تسلم ادارة المدرسة شـــريطة أن يقوم بهذاالعمل مجانا ومؤقتا لحين اختيار ادارى غيره . 8/ نجحت المدرسة نجاحا كبيرا بفضل جهود الشيخ فى سنوات قليلة، وتبوأت مكانة مرموقة حتى أصبحت من أميز مدارس السودان الاولية. 9/ ســـاهم الشيخ فى مؤتمر الخريجين العام بجهد كبير حيث كان يشغل السـكرتير العام للمؤتمر فى قريته أرقين، وكان أول مـن أبتكر التبرعات العينية ذلك الوقت، فجمع التمور والاطباق الصينى من واجهات كل منازل أرقين بواســطة تلاميذه، واشترط عليهم عدم وضع طبق آخر مكانها رمزا للتبرع للمؤتمر، وباعهــــــا فى مزاد علنى لصالح المؤتمـر العام، كما قــام بتحفيظ نشـيد المؤتمر ( للعلا ) لتلاميذه، ولكل أهالى أرقين رجالا ونساءً واطفالا. 10/ ظل الشــيخ يعمل ناظــرا للمدرســة متطوعـــا حتى 15/4/ 1946م، حيث تقـدم باستقالته بسبب ضم المدرسة الى وزارة المعارف. 11/ منذ عام 1946م حتى أوائل الخمسينات تفرغ الشـيخ للعمل العام لخدمــة أبنــاء قريته فى أرقين وعموم مدينة وادى حلفا .
12/ هاجر الشــيخ مرة أخرى فى أوائل الخمسينيات الى العاصمــة الخرطوم، وعمل بجريدة الايام وساهم فى تأسيسها مع الاساتذة بشــير محمد سعيد ومحجــوب عثمان ومحجــوب محمد صالح، وظل يعمل معهـم فترة من الزمن، ثم انتقل الى جريدة الاخبار ، وكـان يرأس تحريرهـــا الاســـــتاذ رحمي محمد ســليمان، ثــم جريـدة التلغراف، وكان يرأس تحريرها الاستاذ صالح عرابى، وأخيرا انتقــل الى جريدة الصراحة الجديـدة، وكان يرأس تحريرهـاالاستاذ محمود أبو العزايم حتى عام 1962م. 13/ عاد الشــيخ الى مســقط رأسه ( أرقين ) بعد غيــاب طويل عـام 1962م لتقبـــل العزاء فى وفاة شـــقيقه الاصغر طه، ومنذ لحظــة وصوله أعلن للجميع رفضه القاطع للهجرة والتمسك بالاقامة فى قريته ( أرقين)، وظل يجوب كل أنحـــاء أرقين من شماله الى جنوبه يوميــا لحث الناس على البقاء، كما رفض اسـتلام أى تعويضات عينية ونقدية. 14/ تحت ضغوط لجنه التهجير هاجر كل أهالى أرقين الى الموطن الجديد، وكانوا يتوقعون قبوله بالتهجير تحت الأمر الواقع، لكنه أصر على عدم الهجرة، وبقى وحيدا مــع زوجته وابنه متمسكا بمبادئ، رافضا ترك ومغادره أرض الأجداد. 15/ حاول زملاؤه المقيمون فى الضفة الشــرقية اقناعه بالهجــرة معهـم، ولكنــه كان يرفض ذلك طالبا منهم رحيلهم الى الضفــة الغربية معه فى أرقين، قبل أن تمتــد البحيرة ويصعب الرحيـــل حيث الاراضى الزراعية الشاســـعة، متمســكا بتراب قريته أرقين، ولم يكن أمام اللجنـــة القومية للمقيمين بوادى حلفا خيار آخر بعد وفاة زوجته ورفيقه دربه الا أن يحملوه بالقوة الى الضفة الشرقية، وهو متمسك بالبقاء فى مشهد مؤثر مازال يرويه طلابه من أهل حلفا ودغيم. 16/ تم اختياره رئيســا للجنة القومية للمقيمين بوادى حلفا، ورئيـــسا للجنـــة التعليـــم، وناظرا لمدرسة حلفا دغيم الاولية المختلطـة ووافق على تحمل هذه المسؤوليات شـــريطة أن يقوم بهذه الاعمال مجانا استمرارا لمبادئه الثابتة . 17/ ســـاهم الشــيخ مع زملائه المقيمين فى كل أوجه الحيــــاة متحديـــا كل العوائق والعقبات التى كانت تقوم بها الحكومــة العسكرية آنذاك، متمســـــــكا مع زملائه المقيمين بأرضه ووطنه الصغير .
وكان الأستاذ صالح عثمان مثالاً للنوبى الأصيل المتمسك بقيمه ومبادئه، ولا يساوم فيها أبداً، ويحكى عنه طلابه وعارفو فضله الكثير من القصص فى عده مقالات، وقد كتب عنه الأستاذ محمد توفيق أحمد وزير الخارجيه الأسبق عدة حلقات فى عموده ( جمرات)، وطبعت عنه عده كتب، ومازالت أسرته تحتفظ بعدة مقالات له بخطه الجميل عن أحداث تاريخية دولية ومحلية، وقصاصات من الصحف السودانية والمصرية. 18/ اختــاره الله إلى جواره فى العاشر من أغسطس عام 196م، وورى جســـده الطاهر بوادى حلفا دغيم بعد عمر حافل بجلائل الاعمال .
إن كل ما كــان يتمناه الشــيخ حتى وفاته هو أن يعود أهلنا الى أرضهم وقريتهم أرقين، وقد تنبأ بذلك قبل أكثر من نصف قرن، وها هم أبناء أرقين يحققون حلم الشيـخ، ويعودون إلى مسقط رأسهم، فتوحدوا يا أبناء أرقين الأوفياء لتعودوا وتعمروا قريتكم وتحققوا وصاياه .
ترحموا معى جميعاً يا أبناء أرقين ووادى حلفا والنوبة عامة على الشـــيخ الجليل صالح عثمان الحاج فى ذكرى مرور نصف قرن على رحيله، رحمه الله رحمه واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء انتهى
تذكرت هذا المقال المنشور فى عام ٢٠١٦م، وأنا أتأمل فى مواقف حفيده ابن بنته البطل الأستاذ وجدى صالح: نفس الثبات على المبادئ والقيم، والعناد وعدم الانكسار، فقلت هذا الشبل من ذاك الأسد. خاب وخسر خصومك الأستاذ الجبل وجدى صالح عبده، ومثلك حتماً سينتصر.